مجلة عرب أستراليا سيدني – حكومة الدبيبة الليبيّة وتحديات الشهور العشرة: تفاؤل حذر
بقلم خلدون زين الدين(النهار العربي)
في العاشر من آذار (مارس) 2021 منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعدد أصوات وصل إلى 132 صوتاً من إجمالي 188… ولكن مهلاً. ليست الثقة الكبيرة وحدها كافية. ثمة عشرة أشهر مفصلية. الشهور العشرة تفصل عن الموعد المحدد لعقد الانتخابات في كانون الأول (ديسمبر) المقبل… وإلى حينه السؤال حاضر بقوة: هل تفي حكومة الدبيبة بتعهداتها؟ وأي تحديات تواجه؟
الثقة ومسؤوليتها
“النهار العربي” سأل من تونس المحلل السياسي المتابع عن كثب للشأن الليبي مولى غازي، رأيَه في ما كسب الدبيبة من أصوات، فقال إن النتيجة مثّلت “اكتساحاً كبيراً لعملية التصويت بما يضع الحكومة أمام تحيات كبيرة، داخلية منها وخارجية، وتحديات اقتصادية اجتماعية. الحكومة مطالبة بتوحيد المؤسسات الليبية كتلك الأمنية، العسكرية والمصرفية، والحديث هنا عن البنك المركزي المنقسم إلى بنكين، وبالطبع هناك حكومتان في الشرق والغرب، وهناك برلمانان، وبالتالي حكومة الدبيبة مطالبة بتوحيد البلاد وإرجاع ليبيا موحدة، وهو الطريق الأساسي للوصول إلى الانتخابات، وهو يمثل تحدياً صعباً جداً، لناحية التجهيز اللوجستي والتجهيز القانوني والتشريعي لأن الجميع يعلم أن لا قانون انتخابياً لليبيا لغاية الآن، ولا دستور مكتملاً ولا صلاحيات برلمانية محددة (…)”.
المهمة الأصعب برأي غازي هي إخراج المرتزقة من البلاد (يقدر عددهم بنحو عشرين ألفاً) وهو مطلب دولي ملح، حرص عليه المجتمع الدولي ببيانات متكررة للأمم المتحدة، وأميركا والدول الغربية (…). ومن التحديات كذلك في نظر غازي، التحدي الاقتصادي الاجتماعي في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعايشها الليبيون. فهناك نقص السيولة في البنوك وانقطاع متواصل للكهرباء، والتضخم الكبير وعدم الاهتمام الجدي بالتصدي لجائحة كورونا من قِبَل الحكومة السابقة. لكن ـ يقول غازي ـ يمتلك الدبيبة الإمكانات لتحقيق تعهداته، وإن بكثير التحديات، وأبرزها ملف الميليشيات (…).
تساؤلات
من المحللين السياسيين المتابعين للشأن الليبي من يسأل عن الظروف الراهنة، وما إذا كانت ستساعد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد المنفي في “التناغم الكامل مع تعهدات رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بما يدعم الأخير في تحقيق أهدافه”.
نجاح الدبيبة في أولى خطواته انتزاع الثقة من مجلس النواب، من دون الحاجة لاعتمادها من لجنة الحوار لا يعني أن الطريق أصبحت معبّدة أمامه، كما أن نجاح الخطوة لا يعني أن تلقى الخطوات التالية على سلّم أوليات الحكومة الجديدة النجاح ذاته، فالمسار الحكومي السلس دونه مطبات وعراقيل كثيرة، راكمها ضعف الحكومات المتتالية وانقسامها، من دون إغفال التدخلات الأجنبية، ولغة السلاح والنار على الأرض.
إرث ثقيل
.. سنوات الحرب الأهلية العشر، عاثت في البلاد دماراً، طال مختلف الصعد. هو ميراث ثقيل من الفوضى والصراعات والخراب والفساد والانقسام السياسي والعسكري والإداري وانهيار منظومة الخدمات.
برأي المراقبين للشأن الليبي، أعطت سنوات الصراع الميليشيات المتقاتلة امتيازات يصعب التنازل عنها بسهولة، جعلت منها قوى فاعلة على الأرض ومؤثرة في القرار السياسي. مثل هذه الامتيازات، تحضر ضمن السيناريوات المقبلة كهواجس يمكن إذا ما تحققت أن تعيد الصراعات الدموية بقوة.
تفاؤل حذر
برغم تحديات الإرث الثقيل سياسياً وعسكرياً، ثمة من المحللين من يتفاءل بمجرد وجود حكومة وحدة وطنية نالت الثقة، بما من شأنه “جبر الضرر، وجسر الهوة بين الليبيين، مهما اشتدت الخلافات وتعمّقت النزاعات (…)”. التفاؤل الحذر مرده كذلك إلى الأمل باقتناع الليبيين أخيراً بأن التمادي في زرع الأحقاد والاحتكام إلى الأيديولوجيات، يُعد منحى خاسراً للجميع، “وقد حان الوقت لتذليل العقبات، وتقريب وجهات النظر بين الخصوم، من خلال صوغ رؤية مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية، والعيش في مناخ آمن في ظل دولة القانون، بعيداً من التدخلات الخارجية وسلطة الميليشيات”.
الرؤية المشتركة وما تفرضه من توقف ملح عن المماحكات والعراقيل غير المجدية تحت ستار القانون، يمثّلان نقطة التقاء للمسارين الخارجي والوطني، ويعطيان أملاً إضافياً بالسلمية الإيجابية، لكنهما يفترضان ـ بنظر المحللين المتخصصين بالشأن الليبي ـ أن يقترنا قولاً وفعلاً، فالمطلوب عاجلاً معالجة جذور تلك الفوضى، والنهوض بالبلاد من جديد، بما يستدعي مشاركة الجميع، بلا استثناء، في العمل من أجل معالجة الأزمات بروح وطنية صادقة، تغلب عليها مصلحة الوطن…
ليس بسيطاً
في رأي المراقبين، الحل في ليبيا ليس بالبساطة الممكن للبعض تصورها. المعالجات تتطلب كثير الحكمة والوقت، والجهد الوطني الواسع. رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، أشار في غير مناسبة إلى أن الإيفاء بالالتزامات يحتاج سنوات، “ولن تكون مدة العشرة أشهر كافية في أفضل الأحوال وأحسنها”.
…تخوض ليبيا إذاً امتحانها الصعب. امتحان الدولة الواحدة والسلطة السياسية الواحدة، بما يكفل للجميع الحق بالعيش الكريم والتداول السلمي للسلطة بعيداً من المحاصصات الحزبية والجهوية. التحدي يحتمل النجاح… ويحتمل الفشل، ولو أن التفاؤل الحذر يبقى الأقوى حضوراً.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=14891