مجلة عرب أستراليا سيدني- بغداد…أرض المفاوضات الأكثر سرية
بقلم خلدون زين الدين – ( النهار العربي)
تنجح بغداد حيث يفشل آخرون. تجمع ولو بالسر. ترعى وتُفاوض… برغم ما فيها، كلِّ ما فيها. في البال، العراق ساحات ومطامع وتمزّقات. جروح داخله صعبة المراس. تحرشات محيطه قد لا تطاق. ثرواته تُبدَّد وبابُ استقراره شبهُ مقفل. المزيد بعدُ يصح وينضَح سلبيةً وفساداً. لكن مهلاً، ثمة متغيرات ما تحدث. ثمة نوعيٌّ ما خلف الجدران النازفة. معلومات لمفاوضات سرية تجمع الكبار! من ومتى وكيف؟
… بعض المعطيات يشي بأن على أرض العراق ما يستحق الحياة، وما لم يحصل في فيينا حصل في بغداد. هناك، لا مفاوضات مباشرة حصلت بين واشنطن وطهران… هنا، حَصلت. “نيزافيسيما” الروسية كشفت أن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز أجرى مشاورات سرية مع مسؤولين إيرانيين في العراق. الباحث في المعهد الأميركي للاستثمار مايكل روبين، قال نقلاً عن مصادر وصفها بالمطلعة على هذا الحوار، إن “العراق يشكل قناة حقيقية مفتوحة للتواصل بين الولايات المتحدة وإيران بهدف تطبيع العلاقات بينهما”.
نفي… فتأكيد
رعاية بغداد التفاوض الأميركي – الإيراني السري يجعل منها أرضَ المفاوضات السرية في الشرق الأوسط بجدارة، بل هي أرض المفاوضات الأكثر سرية. لا نغفل عن التفاوض السري السعودي – الإيراني المترافق ورسائل إيجابية على خط طهران – الرياض، وعلى أرفع المستويات. نفى الطرفان وجود التفاوض بداية… أكداه لاحقاً.
الأطراف تتفاوض بإيجابية. واشنطن تحاول كما طهران تطبيع العلاقات بما يعود بالعلاقات إلى عهد باراك أوباما عبر خط الأجهزة الاستخبارية والأمنية. في السياق، يقول أنطون مارداسوف، وهو الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، وخبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، إنه “يصعب الحكم على مدى صحة تضاد المفاوضات الرسمية مع تلك الحقيقية بين إيران والولايات المتحدة”. برأيه، الاتصالات بين الجهات الأمنية يمكن أن تكون مكملة لمحادثات فيينا من حيث مناقشة التفاصيل التقنية، بخاصة أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحاول ربط البرنامج البالستي للجمهورية الإسلامية وكيفية تصرف القوات التابعة لإيران في الشرق الأوسط مع عملية التفاوض على الصفقة النووية. ويمكن للمفاوضات أن تختلف من حيث موضوع النقاش…”.
يخلص مارداسوف إلى أنه “في شكل عام قد تكون المقابلة بين مختلف المفاوضات مبالغة. يصعب الحديث عن أي تناقضات جدية بين الإدارات الأميركية فالدبلوماسية الموازية أمر شائع عند واشنطن بخلاف اللاعبين الآخرين…”، يقول الباحث الروسي.
طهران – الرياض
في آذار (مارس) الماضي زار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، السعودية. سياق زيارته معطوفاً على تطورات الإقليم دفعت بعض المراقبين إلى توقع إمكان تحقيق اختراق في المحادثات بين طهران والرياض في سياقٍ تُحاول فيه واشنطن إحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، كما تضغط باتجاه إنهاء الحرب في اليمن المُصنفة منذ البداية على أنها حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.
وعلى غرار الصحيفة الروسية، كشفت صحيفة “الفايننشال تايمز” الأميركية، الأحد 18 نيسان (أبريل) 2021، أن “مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى اجتمعوا في سياق محادثات مباشرة في خطوة جريئة لكسر جدار عدم الثقة، وبالتالي إصلاح العلاقات بين الغريمين الإقليميين”. الصحيفة ذكرت أن الاجتماع الأول احتضنته بغداد، وتطرق إلى الوضع في اليمن وهجمات “جماعة الحوثي” المتحالفة مع إيران ضد السعودية.
ترتيب الأوراق… العراق يكسب
إنجاز كبير، برأي المراقبين، حققته بغداد لمجرد نجاحها في الجمع بين الخصمين اللدودين على طاولة واحدة بعيداً من الأضواء. “وإذا ما تأكد زخم هذه المباحثات، فقد تعيد ترتيب الأوراق في المنطقة برمتها”، بحسب تقارير إعلامية. لا نغفل عن أن “العراق وجد نفسه على الدوام في منزلة بين المطرقة والسندان بين الجارين القويين، الشيعي في الشرق والسنّي في الجنوب”.
في التاسع من نيسان (أبريل) الجاري، استضافت بغداد اجتماعاً ضم وفداً سعودياً برئاسة رئيس جهاز المخابرات خالد بن علي الحميدان وآخر إيرانياً برئاسة مفوضين من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، حسبما أكد مسؤول عراقي حكومي.
بجمعه الرياض وطهران على طاولة واحدة يسلك العراق الطريق الصواب نحو تخفيف حدة التوتر. هو من أكبر المستفيدين، بإعادة وصل علاقات انقطعت بين الجانبين عام 2016 على خلفية اتهامات متبادلة بزعزعة استقرار المنطقة. العراق يعاني في السياق من هجمات بالصواريخ أو بعبوات ناسفة تنفذها بوتيرة أسبوعية فصائل يعتبرها المراقبون أداة ضغط بيد إيران تستعملها في كل مفاوضاتها مع بغداد.
الكاظمي في الضوء
يومَ وصل مصطفى الكاظمي إلى السلطة قبل نحو عام، أتى ومعه كثير الأمل للعراقيين. ثمة من خاب ظنه بعد عام، ثمة من برر الفشل في مكان، وأضاء على نجاحات في غير مكان، فليس بسيطاً تحقيق الإنجاز في بلد كالعراق.
وصل الكاظمي إلى السلطة خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، من أدخل فصائل موالية لإيران في بنية الدولة العراقية. باشر الكاظمي مهماته بممارسة دور رئيس في الجمع بين المنافسين الإقليميين، محافظاً على علاقة جيدة مع إيران برغم نظرة البعض له على أنه رجل واشنطن في العراق. كما أنه حافظ على صداقة شخصية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. صفات ومزايا أعطت للكاظمي صدقية لتأدية دور الوسيط النزيه بين الطرفين.
…تعب العراقي من إحصاء الخسائر، وتحديث عدد الوفيات والإصابات. استنزف قدرته على الهجاء. مدنه انحسرت كما كهوف الظلام، وليس سراً أن بلاده، المريضُ الأصعب في الشرق الأوسط. الإنقاذ هنا لا ينفع بوصفات الماضي، عليه، ثمة محاولات عراقية دبلوماسية جدية “لتحصين” الوطن “بلقاح” يحمي من الموت “بفيروس” الاقتتال الاقليمي و”حرارة” الداخل.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=16603