مجلة عرب استراليا سدني -إنقلاب ميانمار: السرّ في التوقيت؟
بقلم الصحافي خلدون زين الدين -النهار العربي
بعد خمسين عاماً من إعلانه تسليم السلطة الى المدنيين، عاد جيش ميانمار إلى الواجهة. قلب الطاولة، اعتقل من توصف بـ”أيقونة الديموقراطية” أونغ سان سو تشي وآخرين، أثار المخاوف من عودة الأنظمة العسكرية القمعية، وترك أسئلة مباشرة أولها: لماذا الآن؟ وما الخطوة الآتية؟
المتابع عن كثب لملف ميانمار يدرك تماماً حضور الجيش في كواليس المشهد العام. الجيش هنا أحكم قبضته بعيداً من الضوء قريباً منه. دستور عام 2008 أساساً أعطاه ربع مقاعد البرلمان، ووزارات ثلاثاً هامة، هي: الشؤون الداخلية، الدفاع وشؤون الحدود.
معلوم أن البلاد “تمتعت” بالحكم الديموقراطي عام 2011. معلوم أيضاً أن أول “انتخابات حرة نزية وعادلة” شهدتها ميانمار عام 2015 لأول مرة خلال 25 عاماً. استحقاق انتخابي قاد سو تشي وحزبها المحظور سابقاً إلى السلطة، وكان يُفترض أن يبدأ الحزب دورة ثانية الإثنين الماضي، ولكن… للجيش سيناريو آخر.
تسارعت التطورات. أجهضت أول جلسة برلمانية كان يفترض أن تكرّس نتائج الانتخابات الأخيرة. الانتخابات هذه أكدت فوز حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية” بنسبة 80% من الأصوات، بما يثبت تمتعه بشعبية كبيرة برغم الاتهامات الملاحقة له بارتكاب عمليات إبادة ضد مسلمي الروهينغا. أوقف الانقلاب العملية الديموقراطية. فُتحت صفحة جديدة.
المعارضة المدعومة من الجيش أطلقت تصريحات مشككة بالانتخابات، وتحدثت عن عمليات تزوير. تكررت الاتهامات في بيان وقعه نائب الرئيس (قبل الانقلاب)، القائم بأعمال الرئيس بالإنابة بعد الانقلاب لتبرير فرض حال الطوارئ في البلاد لمدة عام.
تزوير ترامبي
الجنرال السابق مينت سوي الذي كان نائباً للرئيس، قال إن لجنة الانتخابات فشلت في حل ما أسماها “القائمة الطويلة من المخالفات الانتخابية”.
في المقابل، قال نائب مدير منظمة “هيومان رايتس ووتش” في آسيا في تصريح صحافي إن “من الواضح أن أونغ سان سو تشي حققت فوزاً انتخابياً باهراً (…)”. مضيفاً، أن ثمة مزاعم عن تزوير انتخابي، بيد أنها مزاعم “ترامبية” نوعاً ما، أي كل تلك المزاعم عن التزوير من دون أدلة. وبرغم ذلك، يتعذر تعليل الانقلاب. فهل نتائج الانتخابات تعني فقدان السلطة؟ الجواب لا (…)، كما قال.
أُم الأمة.. وأبوها
اعتادت وسائل الإعلام الدولية الإشارة إلى أونغ سان سو تشي بوصفها “الأم” بالنسبة الى الأمة في ميانمار، لكن الجيش يعتبر نفسه “أباً للأمة”.
في الانتخابات الأخيرة، فاز “حزب اتحاد التضامن والتنمية” المدعوم من الحيش، بعدد قليل من الأصوات. برغم ذلك، ما زال العسكر متمتعين بهيمنة كبيرة على الحكومة، بموجب دستور عام 2008 المثير للجدل. عليه، ما دام الدستور هذا قائماً، بقي الجيش محتفظاً ببعض الهيمنة. ولتعديل الدستور يتوجب دعم 75% من البرلمان، وهو مستبعد تماماً في ظل تمتع الجيش بنسبة 25% على الأقل من الأصوات.
سرّ التوقيت
الصحافية آي مين ثانت تتحدث من يانغون (رانغون)، عن شعور الجيش بالإحراج الكبير والإرباك بعد نتائج الانتخابات. برأيها لم يكن الجيش يتوقع الخسارة “والأرجح أن عوائل العسكر صوّتت ضدهم”.
تقول ثانت في تصريحات صحافية إن “الجيش لم يستسغ حقيقة أن البلاد باتت أكثر انفتاحاً على التجارة الدولية في الآونة الأخيرة. إنهم (العسكر) ينظرون إلى الغرباء خاصة على أنهم يشكلون خطراً”. ثانت ترجّح أن الوباء والمخاوف الدولية بشأن حرمان الروهينغا من حق التصويت في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، ربما شجعت الجيش على التحرك الآن. ولكن برغم كل ذلك، لا يزال الأمر ـ بالنسبة الى ثانت ـ مفاجئاً.
عنصر المفاجأة عند ثانت، يشترك معها فيه أيضاً خبراء متابعون لتطورات ملف ميانمار. هم لا يعلمون سر التوقيت والتحرك، برأيهم يبدو أن الجيش لن يجني إلا القليل مما قام به.
برأيي الدكتور جيرارد مكارثي، الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد الأبحاث الآسيوية في جامعة سنغافورة الوطنية “ربما يأمل الجيش تحسين أوضاع حزب اتحاد التضامن والتنمية وفرصه، لكن مخاطر مثل هذه الخطوة كبيرة (…)”.
مخاطر وتداعيات
فيل روبرتسون، من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، يشير إلى أن خطوة الجيش تُعرّض ميانمار لخطر أن تصبح “دولة منبوذة” مرة أخرى، فضلاً عن أنها تثير غضب الناس في الداخل أيضاً.
… يتفق المحللون على أن شعب ميانمار لن يقف متفرجاً. ستكون هناك تحركات متصاعدة، مترافقة مع ضغوط دولية. مجرد حصول التظاهرات الكبرى، يعني تصعيد الأزمة، وإن بقي بعض الآمال قائماً بإيجاد مخارج تفاوضية.
رابط مختصر –https://arabsaustralia.com/?p=14148