مجلة عرب أستراليا سيدني –الدعاية والأدب السوفياتي… من أسئلة امتحان الأدب الروسي – 2
بقلم خالد العزي
حضّرت حالي للإجابة عن السؤال الثاني والذي حاولت الإجابة عنه بشغف عن الكاتب السوفياتي ميخائيل بولغاكوف، حول رواية “المعلم ومارغريتا”…
تعرفت على الرواية في روسيا باللغة الروسية كونها تأتي من ضمن المنهج المطلوب وهي سؤال من الأسئلة المطروحة لمواضيع الأدب الروسي المعاصرة… الرواية لم تأخذ حقّها في روسيا إبّان حكم النظام الشيوعي الذي فرض عليها قيوداً وعلى كاتبها رغم أنه كان يشتهر بطرح نموذج مميز في العرض الروائي يختلف عن النموذج المتبع في الواقعية الاشتراكية المسموح التعبير بها فقط في الأدب السوفياتي الذي يتوقف امام حقوق العمال والثورة والمعامل لأن الاشتراكية يُفترض أن تجسد الواقع.
لان الذين وضعوا الأساس للنظرية الاشتراكية الأدبية لم يعلموا بانها ستكون قميص عثمان من قبل السلطة الدكتاتورية لقتل كل المدارس الأدبية الأخرى وملاحقة كُتابها تحت شعار الخيانة والمؤامرة الكونية. إذاً السؤال الثاني من الاجابة كان حول قصة الأديب السوفياتي وليس الروسي لأن ميخائيل بولغاكوف أوكراني طبيب بيطري عاش في موسكو وعمل على إظهار نموذج مختلف في الكتابة. لقد مزج هذا النموذج بين الواقعي الشعبي والسريالي الخيالي.
لقد عمل نظام الإصلاح الجديد في روسيا على إعادة الاعتبار لاعمال بولغاكوف التي منعت سابقاً من الطبع. فقد طبعت الروايات بكميات كبيرة في الجمهوريات السوفياتية إلى جانب العديد من الكتاب المبعدين والمؤثرين في الأوساط الأدبية والمعارضين السياسيين للنظام الشيوعي كبوريس باسترناك، صاحب كتاب “الدكتور جيفاغو” الذي تناول فيه اوضاع الاتحاد السوفياتي وألكسندر سولجنيتسين، حامل جائزة نوبل، وصاحب كتاب “الغولاغ “، في معسكرات الاتحاد السوفياتي للعمل القسري والعديد من الكتاب الروس المعارضين.
انتشرت رواية بولغاكوف بطريقة غير طبيعية في أيام البريسترويكا وبات الإقبال عليها بشكل مختلف، واصبح هم الشارع المحروم والمتعطش للمعلومات الاطلاع على أعماله وكتبه بشكل ملفت جداً. وفي مقدمتها “المعلم ومارغريتا” و”قلب كلب” الخ. حيث تحولت اعماله الى اعمال مسرحية وسينمائية. وهو روائي ومسرحي ولد في 15 ايار ـ مايو 1891 بمدينة كييف وتوفي في 10 آذار ـ مارس 1940 في موسكو كان يعمل طبيباً بيطرياً اشتهر برواية “المعلم ومارغريتا” التي نشرت بعد اربعة او خمسة عقود من وفاته.
الأسلوب المستخدم في كتابة الرواية كان صعباً جداً، حتى أن زملاءنا الروس كان يصعب عليهم فهم أسلوب الكاتب حيث اعتمد في آن الواقعية والسريالية والفلسفة والسياسة والادب، بصراحة كانت هناك أفلام كثيرة ومسلسلات جسدت رواية “المعلم ومرغريتا” كنت أطلع عليها لكن قراءة الرواية كانت صعبة وممتعة جداً. عرفت كل تفاصيلها واين الأحداث التي دارت فيها القصة وهي دار لا تزال خالية من سكانها في موسكو منطقة “تشيستي برودي” بسبب الخوف من المنطقة بانها مسكونة بالعفاريت. استطاع الطبيب الروائي ربط نفوذ الحياة الذي يعيشه أبناء روسيا وقتها بالموضوع الرئيسي للمقالات الهجائية والقصص والحكايات التي كانت تميز أسلوب بولغاكوف في عشرينات القرن الماضي كما ربطها بالمدرسة السريالية التي اشتهر بها الأدب المعاصر في أميركا اللاتينية.
حسب تعبيره هو بالذات تلك الفظاعات والتشوهات التي لا تحصى في حياة الشعوب اليومية التي عاشها الشعب الروسي والسوفياتي لا يمكن سردها.تلك التشويهات الكثيرة للطبيعة البشرية التي حدثت تحت تأثير الانقلاب الاجتماعي الذي أصبح حقيقة واقعة فرضها النظام الشيوعي الحديدي. بالطبع هذا الطبيب الأوكراني الذي ينتمي إلى عائلة أرستقراطية لم يكن من جنود الثورة الانقلابيين ولم يكن مجنداً في صفوفها بل ان الحياة أجبرته على تقديم خدمة للثورة كونه طبيباً بيطرياً تم استخدامه من قبل الشيوعيين الحمر.
بعد التحليل والإسهاب في العرض والتعرض لأبطال القصة وربط الأحداث المتسلسلة وتقسيمها بطريقة منهجية، استوقفتني البروفيسور، وقالت “هل من رأي شخصي تريد أن تقدمه؟” تبسمت، وقلت لها “نعم يوجد”.
لقد ظلمت السلطة السوفياتية الطبيب وحاولت تصوير كتاباته بأنها من كتابات المؤامرة ضد النظام الشيوعي الذي كان يحميه ستالين ووزير الأمن الذي أجرم بحق الشعوب السوفياتية.
لقد حاول الكتاب الروس الشيوعيون إقصاء الآخرين باعتماد النظرية الأدبية الواقعية من دون الاعتراف بالنظريات الأخرى وكان صديقنا الكاتب يحاول أن يستعرض أوجاع الشعوب من خلال هذه الصور الواقعية للناس وربطها بعالم الخيال السريالي حينما تطير مارغريتا على عصا والناس والمنطقة تنظر إليها فهو يحاول أن يدمج الواقع بالخيال من خلال ربط الفولكلور والقصص الشعبية في عالم الخيال بالواقع، من خلال قطع الرأس أمام الترامواي ولعب الدور الأساسي في المشهد القط الأسود المحرك الذي اعتبرتُه من أعمال المخابرات الخارجية التي تحاول بدورها اختراق البيئة الشعبية السوفياتية وتحريضها على النظام الثوري المعدي للغرب، والنقطة الأخيرة هي عملية الربط غير المتصل بالواقع في شخصية المعلم ودور مرغريتا في التعريج على التاريخ عبر ادخال الدين على واقع الحياة التي حاولت الشيوعية معاقبة الناس عليها كما عاقب الرومان السيد المسيح بالقتل والصلب.
انتم صلبتم وقتلتم الفكر، والشعوب السلافية هي شعوب متدينة جداً بطبيعتها، ولكن الخلاف على كونها فقيرة، بل منعتموها من ممارسة طقوسها ومعتقداتها الخاصة… حيث تم اتهام القصة بأنها من فعل الشيطان والشيطان يزور موسكو.لينين عمل ثورة انتقامية من القيصر لانه قتل أخاه وتمت معاقبته بطريقة إجرامية مما برر للإرهاب الأحمر لاحقاً، والذي استغله اليهودي تروتسكي لتدمير الكنائس والمعابد الارثوذكسية بطريقة انتقامية وساعد عصابات ستالين على معاقبة الشعوب السوفياتية بطريقة وحشية من خلال افتتاح معتقلات الغولاق في أقاصي سيبيريا والشرق الأدنى الروسي.
لذلك حاول بولغاكوف التوقف أمام مشكلة التعبير بطريقته الهزلية عن الواقع المعاش ما دفع بالنظام إلى ملاحقته وأبعاده ومنعه من الإنتاج الأدبي.كانت البروفيسور تسمع بشغف لتعليقي وتصغي لما أتكلم به بانتباه.
بالنهاية قالت لي البروفيسور “لا يعني السمع هو الاعتراض أو الموافقة على رأيك، ولكن أنا أدون ملاحظاتي التي طرحتها، قد أجد لها إجابات مختلفة ومقنعة لكن المشكلة التي أجبرتني على الاستماع هي الطريقة في العرض والتحليل والربط وإعطاء وجهة نظرك الخاصة التي لم اسمعها من اي طالب روسي أو أجنبي آخر، مما دفعني للاستماع بانتباه لما يقدمه طالب أجنبي يمتلك قدره عالية على تفكيك النص ويستطيع التحليل وتقديم وجهة نظر مختلفة عن الآخرين بدون خوف على العلامة، بلغة روسية ممتازة”.
عندما سألتني البروفيسور عن موضوع رسالة الماجستير واجبتها بلطف عن الفن، قالت: “ظننتك تكتب عن الأدب وهذا محزن الا توظف معلوماتك الغزيرة، بالإنتاج الأدبي”. تبسمت بطريقة مؤدبة وقلت “أنا لا أتعدى على أعمال غيري اقرأ جيداً ولكني لست بكاتب جيد، بل سأكتب عن الصورة الفنية لكون اختصاصي بالنهاية اعلام”.
هزت البروفيسور رأسها، وقالت لي: محزن جداً الا تتناول في رسالتك الأدب وتمارس النقد الادبي. طبعاً اجبتها أنا لا أعرف استعمال القلم والرسم ولا الألوان ولكن عندي حب للاطلاع والاستطلاع دفعني إلى البحث عن هذا العالم الجديد والذي سيعمل على تركيب الصورة المرسومة في منهجية المعلومة لتصبح رسالة غير مباشرة للآخرين. لقد رأيت الفن وسيلة مهمة في طرح رسالتي الإعلامية. وقفت وودعتني بمد يدها كما هو معروف بالعادات الروسية التي تعبر عن الاحترام الزائد للآخر او التوافق بالرأي، قالت البروفيسور لي في كلمتها الاخيرة، بان “أهم ما في كل طرحك يا ابني هو الجرأة المؤدبة والمنطقية والتسلسل في العرض للموضوع المناقش”.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=17503
المصدر..نداء المصدر