spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 50

آخر المقالات

كارين عبد النور ـ النباتيّون: مسالمون… ولكن؟

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور يشهد العالم...

نضال العضايلة ـ أقوى مدربة موارد بشرية في الشرق الأوسط: آلاء الشمري رائدة في مجال عملها

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الصحافي نضال العضايلة أنثى إستثنائية...

منير الحردول ـ الانتخابات الأمريكية ونقطة إلى السطر

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب منير الحردول المتابعة والتتبع والاهتمام...

عائدة السيفي ـ تغطية شاملة لمهرجان الحب والسلام

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الكاتبة عائدة السيفي مهرجان الحب والسلام...

حفل توقيع كتاب الدكتور مكي كشكول (الكوفة بين الولاء العلوي والعداء الأموي)

مجلة عرب أستراليا

رئسية التحرير علا بياض تحضر حفل توقيع الدكتور مكي كشكول 

وقّع الدكتور مكي كشكول كتابه الجديد (الكوفة بين الولاء العلوي والعداء الأموي) من سلسلة موسوعية عن الكوفة

في مدينة  سيدني بحضور شخصيات ثقافية، وأدبية  وفعاليات اجتماعية ،وممثلي منتديات وجمعيات عربية وحشد من أبناء الجالية العراقية والعربية .قدم المناسبة الدكتور عماد برو ،وألقى كلمة البروفسور حميد الخفاجي،وتلاها كلمة للدكتور رامز رزق، وختم الحفل الدكتور مكي كشكول بكلمة شكر فيها الحضور وتحدث عن مضمون كتابه الجديد  .نتمنى للدكتور مكي كشكول دوام النجاح والتألق في مسيرته الثقافية

كلمة الدكتور مكي كشكول:

لماذا الكوفة

هل هي المناطقية أم المذهبية حتمت عليَّ كتابة سلسلة (موسوعة الكوفة وهذا هو الكتاب الثالث منها)قد أُتهم بهذه أو تلك وقد ألتمس العذر لمن يتهمني فقد أصبحت المناطقية والمذهبية بمعناها الجغرافي والمعنوي تؤطر وتطغى على العديد من الكتابات والمؤلفات وتجاوزته لتضحى جزءاً مشوّهاً من سياقات مشهدنا الثقافي، وتتغلغل في تفاصيله، بأسلوبٍ يبتعد عن مفاهيم الإنسانية، وصار من الواضح على كثير من مثقفينا تعصبهم لأصولهم الفرعية وإهتمامهم المنحاز لثقافات مدنهم أو دياناتهم أو مذاهبهم وتفاخرهم بها، بطريقةٍ قد تصل أحياناً إلى شبه العزل الثقافي لمناطق أخرى بالرغم من مشاركة تلك المناطق الهموم والمشكلات والمصائر ذاتها.

وهذه كلها دوائر إنتماء طبيعي وحواضن أصلية، يشتركون فيها، ولكن بفعل ما يقع عليها من ظلم وإضطهاد، يبدأ التناكر بدل التعارف، والشحناء بدل التواصل، والحرب بدل السلم.وهنا وددت الإشارة إلى أني لن ولم أكتب بأسلوبٍ منحازٍ لثقافة ديني أو مذهبي أو مدينتي، لأن التعصب برأيي يُنذر بتفتيتٍ كبيرٍ للهوية الوطنية والقومية.

وإذا قيل أن عنوان هذه الموسوعة مناطقي الهدف والغاية، كونه يركز على الكوفة فقط، أقول إنه رغم خصوصية العنوان إلا أني لا أقصد بالكوفة كوفة اليوم بجغرافيتها وإنما العراق بكل طوائفه وأديانه ومذاهبه. وذلك لعلاقة المشابهة والمماثلة بينهما لإشتراكهما في العديد من الصفات مع وجود قرائن تدل على هذا الأمر.

ثانياً، إن موضوع هذه الموسوعة هو موضوع إجتماعي، يتغلغل في عمق المشترك الإنساني، من خلال دراسة بعض الظواهر الإجتماعية التي أصابت المجتمع العراقي بموضوعيةٍ وحياديةٍ، كظاهرة الإستعمار الفكري وجلد الذات والوهم أو بناء الوهم، الذي زرعه الأعداء في عقولنا وبذور الإحساس بعقدة الذنب، من خلال إتهامنا بأننا السبب وراء كل ما حصل في جسد الأمة الإسلامية من شروخ وثلم، جراء ما إقترفته أيدي أجدادنا الكوفيين من تمردٍ وخروجٍ على أئمة أهل البيت والفتك بهم، حيث أُلِّفَت العديد من الأحاديث والروايات التي شابتها العديد من المبالغات والإنحرافات، وأُطِّرَت بإطار الدين، وعُمِلَ بها دون تفكير أو تدبر، والتي لا زال تأثيرها السلبي سارٍ على تصرفاتنا، حتى يومنا هذا، وأضحت هذه الظواهر من الثوابت والمسلمات.

وعليه فإن هذه الموسوعة تميط اللثام عن هذه المُسلَّمات والبديهيات الزائفة السائدة، وكشف زيفها وطرح الحلول لها بإعتماد العقل والمنطق وإعماد الفكر بعيداً عن التحيّز والعواطف، من خلال مناقشة ودراسة وتحليل هذه الروايات، عن طريق الرجوع إلى المصادر والمراجع والأسانيد المعتبرة ذات القيمة العلمية والموضوعية، مع الأخذ بنظر الإعتبار الخصوصيات العلمية والتأريخية والرجالية لهذه المصادر.

ولا يخفى أن هذه الظواهر ظهرت جراء إختيار الإمام علي (ع)، في عهد خلافته الكوفة لتكون بديلاً عن المدينة المنورة عاصمةً للخلافة الإسلامية، وترجيحها على المدينة، وعلى غيرها من الأمصار الإسلامية، حيث شُوِّهت الكوفة قلعة النصرة لعلي (ع) والوفاء له بشهادة معاوية خصم علي اللدود حين قال لبعض الوفود العراقية التي زارت الشام في سنوات الصلح، (هيهات يا أهل العراق والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إليَّ من حبكم له في حياته) ليصبح العراقيون من خلال الإعلام أهل شقاقٍ ونفاقٍ وخذلانٍ في زمن علي (ع) ثم ليكونوا أهل غدرٍ وختلٍ أيام الحسين (ع)، ووضعت كثير من الأخبار المكذوبة على لسان أهل البيت(ع) تذمهم وتنال منهم.

ويبدو أن أنّ التغيّر الإجتماعي وتبدّل الأخلاق في الكوفة قد نشأ في أيّام معاوية بن أبي سفيان، كما يرى المؤرخون، يروي الطبري (أنّ رجلاً مِن بني عبس قَدِمَ الكوفة في أيّام معاوية فقام في الناس وقال لهم: يا معشر أهل الكوفة كنتم خيار الناس فعمّرتم بذلك زمان عمر وعثمان ثمّ تغيّرتم وفشت فيكم خصال أربع: بخل وخَبّ وغدر وضيق ولم يكن فيكم واحدة منهنّ). (الخب يعني غِشٌّ، خُبْثٌ، خِدَاعٌ)

هذا وتبتعد الموسوعة عن المناطقية وتتجاوز الخصوصيات، وتركز على الرابط الإنساني بوصفه القيمة التفاعلية الإيجابية بين البشرية جمعاء، والبحث في المشترك الإنساني، الذي يُعد مدخلاً إلى نشر قيم التسامح والتواصل مع الآخر المختلف، والإعتراف به، والتلاقي والتفاهم وإحترام مساحات التشابه بين الشعوب، للوقوف على أرض صلبة، ورؤى متجانسة، وغالباً ما يظل المشترك ضامناً لإحترام الخصوصية والهوية الذاتية لكل أمة.

والإنسانية كما تعلمون تركز على قيمة الإنسان، وتَنطوي على العديد من الصفات، مثل القدرة على المحبَّة والتعاطف مع الآخرين. فقد نتعاطف مع شعبٍ ما تعرض للظلم والإضطهاد، بعيداً عن النظرة العرقية أو الدينية أو المذهبية الضيقة.

وهذا ما أبتغيه من وراء إقدامي على كتابة هذه الموسوعة، حيث أسلط الضوء من خلالها على ما تعرض له الشعب العراقي من ظلمٍ وحيف من خلال إيهامه بحقائق تاريخية مشوَّهة لا توجد على أرض الواقع.

وتفتح الباب مشرعاً أمام تعلم ثقافة التعاطف مع المظلوم ونصرته، والتي تعود إلى الفطرة، وتقتضي الميل النفسي إلى المظلوم، فالكوفة بمظلوميتها نجدها في كل مكانٍ وزمان.

ذلك أن إشكالية الظلم وما يتولد عنها من الإستبداد والإستعباد والتسلُّط، كانت ولا تزال الأصل والمحور الأساس لشقوة الإنسان وإهدار كرامته وإلغاء إنسانيته، لذلك أرى أن المسؤولية عن وقوع الظلم مسؤولية تضامنية شاملة للبشرية جمعاء؛ لأن آثار الظلم وشروره مركبة وممتدة، وإصاباته سوف تلحق الجميع بحيث لا ينجو منها أحد.

ولعل الفكرة ذاتها عبَّر عنها الفيلسوف مالك بن نبي، إذ يرى أن هذا العصر تتجسد فيه وحدة المشكلات الإنسانية مما يؤكد المصير المشترك للإنسانية ووحدة التأريخ الإنساني، بحيث لم تعد أمة تنفرد بمصيرها بمعزلٍ عن بقية الكيانات في العالم.

وبالتالي فقد أقدمت في هذه الموسوعة على نقد بعض الأفكار التي تقلل من سعة المشترك الإنساني كما رسمها القرآن، والتي تهدف إلى بناء جسور تواصلٍ بين الناس على إختلاف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم.

والتأكيد على وحدة الأصل الإنساني والذي يمثل ركيزة حقيقية للمشترك الإنساني، ومكوِّناً طبيعياً يشترك فيه الناس، ولا يتفاضلون فيه. ويدخل فيه الإنتساب للقوم والوطن، والدين والمذهب بإعتباره إنتساباً طبيعياً لا يُزاحم الإنتساب للأصل الإنساني ولا يتناقض معه.

ولا بد من التنويه إلى أمرٍ هامٍ ألا وهو أنه بالرغم من أن العناوين الثانوية لهذه الموسوعة توحي إلى أني ألبستها لباس الخصوصية، أي أنها تخص العراقيين فقط، إلا أن مضمون الموسوعة يتوسع ويتجاوز الحدود العراقية، ليخاطب باقي الشعوب العربية التي تجمعها مجموعة خصوصيات متضافرة فيما بينها من مشتركٍ لغويٍ وتأريخيٍ وغيرها من المشتركات، وتوظيف هذه الخصوصيات في إزالة العوائق التي أصابتها من تمركزٍ على الذات، وإستعلاء بعضها على بعض، وتنامي الشعور بالكراهية، وحالة من فقدان الثقة، والدعوة إلى التقارب، والتواصل والإنفتاح على الآخر المختلف والتفاعل الثقافي وتقريب المسافات الجغرافية، وتشجيع ثقافة التعايش الحياتي بينها في إطار مفهوم التجاور والتكامل والتعارف، وإندماجها في مفاصل الحياة كافة، وذلك بعد بروز خطاب ديني متشدد أدخلنا في جاهليةٍ معاصرةٍ مدمرةٍ أشد من التدمير الذي ألحقته بنا الجاهلية الأولى. بما تحمله هذه الجاهلية من عنفٍ وجهلٍ وإحتكامٍ إلى الدوافع الغريزية الهائجة بدلاً من الإحتكام إلى المنطق والعقل لحل الخلافات.

فالوطن العربي يحتوي على الكثير من القوميات والأديان والمذاهب الفقهية والدينية ويتمتع بتنوعٍ ثقافيٍ وإجتماعيٍ ثريٍ يمكن له أن يحقق أبعاداً ثقافية هي في صالح الأمة ككل قبل صالح الدين أو المذهب، لكن المشكلة تكمن في تحول ذلك التنوع إلى حالة تعصب وتمترس ثقافي حول قيم الذات دون قيم الآخر، بمعنى أن يتحول ذلك التنوع الثري إلى تعصبٍ ممقوت، ونوعاً من إلغاء حق الآخر المختلف في الوجود والتعبير، ومحاولة الهيمنة عليه، وفي هذه الحالة تعود كل ذات ثقافية لتخلق قيمها الخاصة وتدافع عنها بقوة، وهنا تبرز المشكلة الحقيقية فيكون التنوع مصدر صراع بعدما كان مصدر ثراء.

فالإختلافات الثقافية هي إختلافات طبيعية تبرز بوصفها تعبيراً طبيعياً عن الذوات، والمواطنة هي تعبير عن القيم المشتركة بين تلك التعبيرات.

لذلك تركز الموسوعة على ضرورة وحدة المشاعر والمواقف، وأن تعدد الهويات ليس عقبة تجعلنا على طرفي نقيض مع كل من له هوية مختلفة عنا، فنحن يجمعنا قاسماً مشتركاً ألا وهو وحدة الإنتماء. فتأريخياً هناك العديد من العراقيين تعود إصولهم بالأساس إلى الأنباط أو النبط وهم مجموعة من العرب القدماء الذين كانوا يقطنون في شمال الجزيرة العربية وجنوب الشام وإنتقلوا منها إلى العراق.

يقول أبو عمرو بن العلاء لأهل الكوفة: لكم حذلقة النبط وصلفهم ولنا زهاء الفرس وأحلامهم.

وكذلك تعود إصول العديد من العراقيين إلى القبائل العربية النازحة إلى الكوفة.

وهذه القبائل التي كانت تسكن الكوفة هم عشائر الفتح الذين نزحوا إليها بعد فتح فارس، وهم عشائر حجازية ويمنية، أي إنها سكنت الكوفة قبل تمصيرها.

يذكر إبن عساكر في تأريخه أنه نزل الكوفة من قبيلة ربيعة ومضر حوالي خمسة آلاف، وأربعة وعشرون ألف من باقي القبائل العربية الأخرى، فكانت قبائل اليمن القحطانية الجنوبية في الكوفة تبلغ نحو إثني عشر ألف شخص، أما القبائل العدنانية الشمالية فكان عددهم ثمانية آلاف، وأهل نزار ثمانية آلاف.

ويذكر ياقوت في المعجم عند التطرق إلى التوزيع السكاني لمدينة الكوفة إلى “أن الجهة المطلة على الفرات من بلدة الكوفة تحوي من الدور خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب، وستة آلاف دار لليمن.

وبناءً على ذلك، فإن تسميتهم بالعراقيين مَجازاً، وليس حقيقة.

وأن إتهام هذه القبائل ومن وراءها أهل الكوفة بالغدر والختل والنفاق والشقاق يعد أمراً غير مقبول، لأنها قبائل غير عراقية، وإنما يجب إتهام أهل الجزيرة بهذه الصفات السيئة، وهذا أمر لا يعني أهل العراق لا من قريب ولا من بعيد.

وتتجاوز أصابع الإتهام بهذه الصفات السيئة جغرافيا العراق لتطال البلدان العربية الأخرى، لأن هناك العديد من العرب هم بالأساس عراقيين وأن نسبهم يعود إلى القبائل التي سكنت العراق، وبالأخص الكوفة.

حيث يذكر المؤرخون بأن معاوية أقدم خلال عهده على تغيير البنية الإجتماعية والديموغرافية للكوفة بهدف السيطرة على المعارضة وتفتيت قبائلها وأسكن قبائل من الجزيرة العربية في الكوفة وهم بنو دارم بطن من تميم والشيبانيون بطن من بكر بن وائل والزبيديون بطن من مَذحِج.

وكذلك أدخل قبائل شامية موالية له وأنزلها منازل المهجَّرين من المناظرة لها في الكوفة (مثل كندة، بنو أسد، مَذحِج، تميم، الأزد، خثعم، همدان، هوازن، وغيرها)، وكان هؤلاء لا يقل عددهم عن خمس وعشرين ألف شخص سنة إحدى وخمسين للهجرة، وبكل تأكيد فقد تضاعف عددهم بعد مرور عشر سنين من خلال عوائلهم التي إصطحبوها معهم من الشام. وهذا الأمر لوحده يُعبِّر عن إحتلال غير مباشر للكوفة من قبل الشام.

يذكر الطبري في تأريخه أنه: “كان معاوية يُخرج من الكوفة المستغرب في أمر علي (أي الموالي لأمر علي) ويُنزله دار المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام وأهل البصرة وأهل الجزيرة، وهم يقال لهم النواقل في الأمصار. فأخرج من الكوفة بني القعقاع بن عمرو بن مالك إلى إيليا بفلسطين”.

وكذلك سيَّر معاوية إلى خراسان العديد من عشائر همدان وكندة ومَذحِج وبني أسد وغيرها ممن عُرِفَ بولائه لعلي وأسكن مكانهم جنوداً من العشائر نفسها من الشام التي والته وحاربت معه علياً في صفين.

يذكر الطبري في تأريخه في ذكر صفين: فجعل علي يقول: من هذه القبيلة ومن هذه القبيلة؟ يعنى قبائل أهل الشام، حتى إذا عرفهم ورأى مراكزهم. قال للأزد: إكفوني الأزد. وقال لخثعم: إكفوني خثعما”

أي أنه أمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام.

ولا يفوتنا أن نذكر أن زياد بن أبيه هجَّر زهاء خمسين ألفاً بعيالاتهم من أهل الكوفة إلى خراسان.

يقول الطبري “وقُدِّر لبني العباس أن يسقط حكم بني أمية على أيديهم بجيوش الخراسانيين وكان أغلبهم ذرية العراقيين المهجرين زمن زياد سنة 50هـ”.

وفي عهد الحجاج بن يوسف إضطرت قبيلة الأشعريين إلى الهجرة من الكوفة إلى قم.

كما نقل زياد بن أبيه عدداً من الأزد وأسكنهم مصر.

وهاجر البعض من الهمدانيين إلى مصر بعد شهادة الإمام علي.

وبعضهم هاجر إلى الأندلس ولكنّ أكثرهم، فيما تدلّ عليه الدلائل، نزل بقاعاً معلومةً من أرض الشام.

فبعد الأحداث التي تلت (عام الجماعة) (عام صلح الإمام الحسن ومعاوية) هاجر الهمدانيون، فسكن قسم منهم حمص، ولهذا خاطبهم عبد الملك بن مروان مقرِّعاً بأنهم أهل الكويفة.

وقد أثَّر الهمدانيون مذهبياً في الحِميَريين الذين سكنوا إلى جانبهم في حمص.

وفي القرن الأوّل الهجري هبط المهاجرون من همدان وعبد القيس، القادمون من “الكوفة”، أرض “لبنان” نزل قسمٌ منهم أطراف “بعلبك”، والثاني نزل الهضاب المشرفة والمجاورة لمدينة “طرابلس”. حيث سكنوا جَبَلة واللاذقية وهما مجاورتان لطرابلس.

ويلاحظ وجود باب بإسم باب همدان في بعلبك، وإسم هذا الباب قرينةً على أنّه كان يُفضي إلى حيث يقيم تجمّعٌ سكانيٌّ من بني همدان. وأن هذا التجمّع كان من كثرة العدد بحيث كان الأبرز في المكان الذي يسامت ذلك الباب، بحيث أطلق عليه الناس إسمه المنسوب إلى همدان.

يذكر اليعقوبي في البلدان “وأهل طبرية هم قوم من الأشعريين ( والأشعريون من مَذحِج ) .

ويقول المقدسي في أحسن التقاسيم أن أهل طبرية ونصف نابلس وقَدَس وأكثر عمّان شيعة.

وقد وصف ناصر خسرو في كتابه سفرنامه مدينة طرابلس في الثلث الأول من القرن الخامس بأن سكانها شيعة وأنهم شيَّدوا مساجد جميلة في كل البلاد .

وبناءً على ما تقدم، يمكن القول أنه ربما يكون للعرب النصيب الأوفر من هذه الإتهامات الزائفة، وبما أن لدينا مظالم مشتركة (عراقيون وعرب)، فعلينا أن نزيل عن فطرتنا الإنسانية السليمة الركام ونفيق وننهض، ونتمرد على ما نعاني منه من أغلال ونكسر ما كبَّلنا من قيودٍ فكريةٍ ونحرر عقولنا من سطوة تأريخٍ مزيفٍ ومحرفٍ ومشوه، وإطلاقها حرةً قابلةً للتفكير بحريةٍ وإبداعٍ بعيداً عن التضليل والتزوير، وأن نلعب دوراً في دفع مثل هذه المظالم وإثبات بطلان ما سطَّرته كتب التاريخ من رواياتٍ زائفةٍ ومحرَّفة والتي لا يزال يلوكها البعض إلى يومنا هذا، أسهمت في الإحتقان المذهبي والطائفي، من أجل فتح نافذة أمل في التعايش السلمي، وردم هذه الفجوة النفسية بين الشعوب العربية التي لا أساس لها، والوصول إلى وحدة حقيقية إجتماعية منسجمة، لا يضرّ إختلاف آرائها في إنسجامها الإجتماعي، تماماً كأي بلدٍ في العالم تتنوّع آراء فئاته في الموضوعات المختلفة، إلاّ أن إنتماءها الوطني يظلّ هو الوحدة المعيارية الأولى التي تربط الأفراد والجماعات داخله، وتحافظ على إستقراره وتنميته وتطوّره وإنسجامه.

أخيراً، ستسهم قراءة هذه الموسوعة بوعيٍ وتجرد من توسيع مدى إدراكنا ووعينا التأريخي والديني، وإعادة إظهار جوانب التعايش والتسامح الكامنة فيهما، وإنتاج قراءة جديدة للذات وللآخر المختلف، قراءة عقلانية وواقعية، ومخالفةً لمناهج القراءات السابقة، والتي بنينا إعتقاداتنا الفقهية وفقاً لها، وأسهمت في زرع الفرقة وتمزيق نسيجنا الإجتماعي وتفتيته.

شكراً جزيلاً لتشريفي بحضوركم وحسن إصغائكم وأرجو ألا أكون قد أطلت عليكم.

رابط النشر –https://arabsaustralia.com/?p=35337

 

ذات صلة

spot_img