مجلة عرب أستراليا سدني
كاميليا نعيم الأناقة التعبيرية الشعرية
في كتاب “ شيء يشبهني “
بقلم علا بياض رئيسة تحرير مجلة النجوم
الأديبة كاميليا نعيم -أنيقة الحرف والتعبير
كاميليا نعيم كاتبة، وشاعرة لبنانية أسترالية، طاقة أدبية مبدعة، عُرفت بعذوبة إلقائها، تعزف على أوتار الحروف، سمفونية عشق لا تنتهي. تتميز بفضائية النص وجمالية العِبارة، و روحانية الكلمة، وصوفية الصورة، والمزاوجة بين الحلم، والذاكرة، والروح العابقة بأرض لبنان.
*كاميليا نعيم* شِعرها ومضة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر، فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب.
نصوصها عطر فواح ممتلئة بكثير من المشاعر الإنسانية الوجدانية، والوطنية الصادقة الجياشة في بيئة مشبعة بالأصالة، والعطاء .
نرى ونتلمّس بوضوح مقدرة الشاعرة، كاميليا، وهي تتكئ على الذاكرة الحيّة حيث تطغى على النصوص صور المكان، وعلاقته بالدّفء المفقود؛ نتيجة فقدان الأحبة، لتسكب أحداثها على مساحة كبرى في نسيجها الشعري على شكل لوحةٍ طريّةٍ بزخم شهوري، وحسّي وخيال مبدع -صادق نابع من قلب رقيق عاشق للحياة، لقد اختمرت رحلتها الطويلة بعيداً عن الوطن، فتدفقت سيلاً عارماً من المشاعر المجروحة، والأصوات المبحوحة.
أثبتت أصالتها وموهبتها الشعرية النثرية الحقة؛ لتعبّر عن هواجس النفس الإنسانية الدفينة، وعمّا يحدث في أعماق الروح؛ لتأخذنا معها إلى جولاتها الفلسفية عميقة الجذور، لترصد كل ما يؤدي إلى ينابيع الوطن؛ لتغرس جذورها في تخوم الأرض، وتصبح أكثر ثباتاً، ورسوخاً، وعشقاً للوطن.
حفل إطلاق كتاب الشاعرة كاميليا نعيم ” شيء يشبهني” :
أقيم حفل توقيع كتاب الشاعرة، والكاتبة: كاميليا نعيم ” شيء يشبهني” -برعاية رابطة خير جليس – بحضور شخصيات سياسية، وإعلامية، وثقافية لأدباء، وشعراء لهم حضورهم المهم على الساحة الثقافية في سيدني.
وقعت الشاعرة كتابها الثاني ” شيء يشبهني”، وذلك مساء الاثنين بتاريخ 28/11/2022 في قاعة
( Lakemba Senior Citizen’s Centre) الذي صدر عن دار النهضة العربية في بيروت عام 2022م .
كما صدر للشاعرة *كاميليا* مولودها الشعري البكر ” ضفاف الانتماء ” عام 2020 م عن منشورات *كلمات* في سيدني المنسوبة إلى مؤسسها الدكتور: رغيد النحاس .
حضر الاحتفال السيناتور: *شوكت مسلماني* ، والإعلامية: *سيلفيا مزهر *؛ مديرة sbs القسم العربي ثم أقيم حفل خطابي عن المناسبة استهله الشاعر : *بدوي الحاج* بدلاً عن الدكتور: *عماد برو * بكلمةٍ ترحيبية، وعرّف بالخطباء الذين توالوا على الكلام:
الكاتبة: *نهى فرنسيس*؛ منسقة رابطة خير جليس، والشاعر : *فؤاد نعمان الخوري*، والشاعرة: *سوزان عون*، والأستاذ: *حسين مصطفى*، والدكتور: *رغيد النحاس* .
في الختام شكرت الشاعرة: *كاميليا نعيم* الحضور الكريم، وأثنت على صديقتها؛ منسقة الحفل السيدة: *سناء أبو خليل*، والسيد: *مصطفى حجازي*، وألقت الشاعرة: *كاميليا* الأبيات الأنيقة التي انتقتها عن مكنوناتها بين جنبات الكتاب؛ لتأخذنا معها في جولاتها الفلسفية التي تنبض بالحب، والألم، والوطنية.
كلمة الشاعرة والأديبة: كاميليا نعيم
سأشرع بعض النوافذ من كتابي، الموشحة بالدهشة، والحنين، بالعتاب والتساؤلات، بالإذعان، والرفض بالمزيج الذي يعترينا، وأطلُّ عليكم الليلة من خلالها. أسقي أحواض النثر من مياه الذكرى، أنثر بعض أريج الشوق، والأمنيات، عبير الآهات، وندوب الزمن، والقهر على مرمى العيون في أرجاء المكان.
أبدأها بنافذة تطل على الوطن.
مَن قال؟
مَن قال لهم إنّنا نتمسّك بتعصّبنا الدينيّ والمذهبيّ، ولا نتمسّك بلبنانيّتنا؟
مَن قال لهم إنّنا ننتمي للطائفة قبل انتمائنا للوطن؟ وكيف شرّعوا لأنفسهم أن يصبح الوطن من صغائرنا، والمذهب، والدين حبائل غدر، ودهاء يلفّونها على أعناقنا، يغطّون بها وجه البلاد؟
نشيد كلما انتصبت أعمدة حروفه الباسقة في المناسبات، وتردّدت أصداء اللحن بخيلائها في أروقة القاعات، يتساقط الدمع من عيني، دون أن أدري، أُخفي لون الشجن على ” ملء عين الزمن” يسكب الجرح المتكأ على حد السكين عَبراته رغماً عني، يتدفق الحزن سيلاً من الأعماق تلسعني أسطورة “سيفنا والقلم” تتحول إلى مرثية حارقة بين الضلوع، أندب عليها بكل الأسى في صمتي . أرفع رأسي إلى الأعلى حيث الكلمة الفصل” كلنا للوطن” أضمها إلى صدري، أحتضن شذى حروف الإخاء، أستنشق ضوع عبير” للعلا للعلم” ..والآه كالريح تعصف بي، تغادرني تلحق بجمع أقمار الكلمات الحالمة، تسألها ما الذي حل بذاك الحبيب، وأراك هناك وأسموا بأصالة ما في صمتك ترى.. بمنبت الرجال الذين “قولهم والعمل” .
أيّها الشاعر الذي يغفو عميقاً في أحضان أبديّةِ سحرِ الشرق، وعطر هيبته، “المسيحيّ الذي يهوى النبيّ العربيّ“.
أعِرني مفتاح غابتك التي رسمتها على مدخل قصيدتك الحالمة “أعطني الناي وغنّي“.
أريد أنْ أتسلّل إليها ليلاً، أختبـأ بين طيات أسرارها، اغتسل برذاذ مطرها، التحف سكونها ، أبحث عن ظلال يأويني، عن صمت يغمرني، يبعدني عن ضوضاء النهارات التي تحترق بلهيب تواقيع المهانة، وظلم ذوي القربى، وضجيج أبواق الإعلام الكالح، لأتّخِذها مثلك: “منزلاً دون القصور“.
أطوق” لأشرب الفجر خمراً “في كؤوس من أثيرِ نقاوة الرفض.
أختنق من شراب اللوعة، أعطني خارطة السواقي التي حدثتنا عن عذوبتها . أريد أنْ أتتبّعها، وأكتم عويل صمتي على ضفافها الفرحة، أتسلق صخوراً عاتية، هذا الانزلاق، والانصياع في وعورة تضاريسه، واستكانة تعرّجاته لا أنتمي إليه.
سأغلق نافذة التمني .
وأفتح نافذة تطل على الوجدان…
نعم قرويّة أنا. أحمل على رأسي جِراراً عطشى. أمشي حافية على دربي. أدوس على حصى الزمن المسنون، وآثار النزف يتبعني. يغرف معي من نبع التأمّل، لأملأ جراري بمياهٍ صافية بلون إنسانيّة شاهقة: ضالّتي أينما حلّت الرّحال.
قروية … وفستان وجداني يزدان بورود أحلامي، مطرّز بطيب الرزانة وعمق الأمنيات. عليه أزرار من أريج الأصالة. خطواتي تطوي من عبق التاريخ طياً فأسمو به. يبتل أقحوان العمر من نبل الجذور بِفيض من عنفوان الندى، أقيم في أودية السكون. أبني منازل التجلّي في قلب السماء.
قروية أنا! وأنبئك سراً: عندما تخبرني عن اقتباسات “دوستويفسكي” أبادلك أقوالاً تعجبني، أتلعثم بنطق حروف اسمه، أدير بوجهي عنك؛ كي لا تلمحني فصاحة فلسفة مغلفة بأناقة قول…
لكنني حين أرتدي ثوباً لغوياً من صوفية خزائن ” الحلاج” أصبح فراشة تزهو بألف لون ولون، وتشرق لي أجنحة من همس الحروف تعانق مدى الفواصل والنقاط، اُحلق في غربة تفاصيل الوجد. أحط كحلم وردي على” نسيم الروح” وأذوب مثل قطرة شهد بين ثنايا سحر لفتات الرشا.
انا التي لم يتكأ خوفي على صدر أحد، ولم تداعب أنامل الرأفة خصلات همي.
عندما تطرق بيد التساؤل على طفولة قلب جريح يصارع مشيب زمانه، وأفتح لك باب الانتظار، أقف ما بين فتحة الدهشة واللهفة، أتكأ عل ثبات توجسي. أتَعِدني إنْ أدخلتك إلى محراب وجعي، أجلستك بجواري، قبالة تأرجح قوتي، وضعفي، أن تكون أمينا على كتم أسرار حروفي، حين تبدأ بقراءة نص صمتي الطويل، وقبل أن ترحل هل تمسح على وجهي بمنديل الحنين، تمشي على رؤوس أصابع الرحمة، تترك الأنين يأخذ غفوة تحت ظلال النسيان، والتخلي. تعزف لحناً يشابه وحدتي،
أُغلق نافذة النجوى
أطل من نافذة الحنين
آه أمي
ناديتك والأوجاع تمزّق سكون ليلي ، وأنا لي ابنة تسكن في الجوار، تقطر حباً، تبحث عن كل زاوية مظلمة في وجداني، تشعل فيها ضوء حنانها. ويفصلني عن غرفة ابني جدار خشبي، لو شئت أنْ أقيم عليه عبرات أنيني، ما بقيت وحدي على فراش الحزن أتململ. لكنني كنت أريدك أنتِ في ذاكرة أضناها الشوق أستعيد أشكال صوتك، أفتح ممراً من نور؛ ليعبر الصدى، أدعوه بنظرات تعشقه أن يرتمي بين أحضان لهفتي، أستشعر رنين كل نبرة، حين يغضب بكل الحب ينهرني، وحين يحنو، وينساب كالحلم بين أضلعي، يتكأ خيال الصوت على جدار العدم، يرمقني بعتب، ويلاطفني، أتعلق بظلال حباله حين تنزلق من تحتي تربة أحلامي…
أعيدوني إلى جذع شجرة تتشبث جذورها في أعماق الحلم، يتمايل على أطرافها فيءٌ أخضر من سلالات الوفاء. أعيدوني إلى الحارات العتيقة المرصعة بلآلئ نسب الأسماء، والانتماء .
أعيدوني إلى الأزقة الضيقة التي تحتفظ بِوقع خطى مَن عبروا فرحين؛ لأبحث عن ضحكاتي التي حين أطلقتها لم تعد لي؛ لعلي أجدها، أرسمها مرة أخرى على صفحة الوجه النحيل.
أغلق نافذة الحنين
أختمها بنافذة الفقد
بمن غادر عالمنا في مثل هذه الأيام. وكانت الحياة قبل رحيله أكثر اخضرار. واكتشفت بعد الغياب أن النعم لا تدوم.
أخي وغرس أبي…
ذاك المارد بكماله لم يستقبلنا على بوابة الدار بحضنه الواسع الذي يعيد، بلحظة الارتماء عليه ، للحياة نبضها السليم، حضن تستعيد به وجوهنا إشراقة طفولة وملامح صبا. حضن تصطف على ذراعيه مذاق الأبوة، والأمومة، والأخوة،
كمال …هات يدك. تعال معي. صوت صمتك يصم آذاني، لم أعد أطيق السير وحدي على طريق الوَلهَ، سأغمض عيني مثلك، وأحمل في يدي سلة من ذكريات وحنين، وحين نتعب في مسيرة العتاب والنجوى، نجلس معاً تحت ظل شجرة تين أو زيتون من غرس أبي. نفترش في ظلالها بساطاً مرصعاً ببساطة طفولتنا، ورنين ضحكاتها، نعلق على فيء أغصانها همسات التقارب، والتناغم بين سني- عمري وعمرك. ألقي من ذاكرتي بذور الأسئلة المتعبة عن الرحيل المبكر، أنتظر على مساحة التساؤل، أستيقظ من حصار سهوي، أعصر من رحيق زهر اللهفة قطرات الوجد، أحملها في واحة يدي، أكمل المسير نحو أبدية وجودك، تسابقني القطرات حين تشتم عطر السكون، تتسلّل من بين أصابعي نحو مسام رخام بياض القبر، تتهاوى عليك، تمسح أنامل الحسرة بأكف المي على جبين الفراق، أسألك أن تمد لي يدك مرة ثانية؛ لعلها تهدأ روعي، وتسخر من ضجيج أوجاعي.
رابط مختصر –https://arabsaustralia.com/?p=26608