spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 52

آخر المقالات

روني عبد النور _ مستقبل الجنس البشري: تلاشي الكروموسوم ( Y ) ليس التهديد الوحيد…

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب روني عبد النور خلال النسخة...

كارين عبد النورـ هل “تُردي” الحرب العام الدراسي اللبناني قبل أن ينطلق؟

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور قرار وزير...

الإيجابية الواقعية… كيف نتقبلُ عواطفنا بحبّ ومن دون نكران؟

مجلة عرب أسترالياـ الإيجابية الواقعية... كيف نتقبلُ عواطفنا بحبّ...

د. زياد علوش ـ الخيار الثالث يقتحم المشهد الرئاسي اللبناني

مجلة عرب استرالياـ د. زياد علوش على وقع التطورات الدراماتيكية...

سهير سلمان منيرـ تحسين الذكاء بالغذاء !

مجلة عرب أسترالياــ بقلم مستشارة التغذية سهير سلمان منير...

جمال دملج ـ الإسلام ومستقبله: دعوةٌ صريحةٌ إلى حوارٍ هادىءٍ مع أخوةٍ مزاجيّين (3 – 4) بقلم

مجلة عرب استراليا ـ سيدني

بقلم: الدكتور جمال دملج ـ كاتب لبنانيّ

يُعرَف عن القدّيس يوحنّا الدمشقيّ أنّه وُلِد باِسم يوحنّا منصور بن سرجون عام 676 في دمشق من عائلةٍ مسيحيّةٍ نافذةٍ أثناء حُكم الدولة الأمويّة، إذ إنّ والده كان يعمل وزيرًا في بلاط الخلافة، فضلًا عن أنّ جدّه كان يعمل رئيسًا لديوان الجباية الماليّة فيها، وهي الوظيفة التي شغلها بنفسه لفترةٍ من الزمان، قبل أن يدخل إلى دير القدّيس سابا قرب مدينة القدس في فلسطين، ليتميَّز هناك بمؤلَّفاته اللاهوتيّة الفلسفيّة العديدة، ودفاعه الشديد عن العقائد المسيحيّة، وردوده الموضوعيّة على الهرطقات المختلفة، ولا سيّما تلك التي تتعلَّق بتكريم الأيقونات، الأمر الذي أدّى إلى ظهور إجماعٍ في أوساط الباحثين على اعتباره آخر آباء الكنيسة الشرقيّة من منطلق أنّ مؤلَّفاته شكَّلت مرجعًا مهمًّا لجميع اللاهوتيّين في القرون الوسطى؛ ولدرجةِ أنّ توما الإكوينيّ يستشهد به في مؤلَّفاته، ناهيك عن أنّه ألَّف عددًا من الترانيم الكنسيّة التي لا تزال حاضرةً في طقوس الكنيسة البيزنطيّة لغاية يومنا الراهن.

القرآن… والأناجيل المنتحَلة

لا شكَّ في أنّ أيَّ حديثٍ عن سيرة القدّيس يوحنّا الدمشقيّ لن يكتمل بموضوعيّةٍ وشفافيّةٍ من دون الرجوع إلى كتابه المثير للجدل والمعروف تحت عنوان “الهراطقة”، وهو الكتاب الذي سرَد فيه مئةَ هرطقةٍ ظهرَت ما بين القرن الأوّل وما بين القرن السابع للميلاد، وأدرَج فيه الإسلام في الترتيب الأخير كنوعٍ من المسيحيّة المهرطَقة.

أسباب ذلك ترتكز على خلفيّة التصويب في اتّجاه الظنّ بأنّ الراهب بحيرى قام بمساعدة محمّد النبيّ عن طريق إقناع ورَقة بن نوفل؛ الذي كان قسّ المسيحيّين العرب في مكّة، بتسليمه كافّة نصوص المؤلَّفات المسيحيّة التي قام بترجمتها إلى اللغة العربيّة؛ والتي كانت تُوضَع غالبًا إمّا باللغة السريانيّة أو باللغة القبطيّة، ومن ضمنها بعض الأناجيل المنتحَلة، وهو ما يفسِّر -بحسب رأي الدمشقيّ- سبب التشابُه ما بين القرآن وما بين عددٍ من القصص الواردة في العهد الجديد أو في الأناجيل المنتحَلة.

السيرة… والأحاديث

وعلى الرغم من أنّ غالبيّة الباحثين الذين فنَّدوا رواية الدمشقيّ أشاروا إلى أنّ الراهب بحيرى يُفترَض ألّا يكون متكلِّمًا للّغة العربيّة، وأنّ البعض منهم ذهب إلى حدِّ التشكيك بتاريخيّة وجوده أصلًا؛ وكذلك الحال مع ورَقة بن نوفل الذي لم يرِدْ في “الأحاديث” أنّ محمّد النبيّ قد التقاه أصلًا، فإنّ استحضار السيرة النبويّة المعتمَدة لغاية يومنا الراهن كمرجعٍ رئيسيٍّ في المؤسَّسات والمعاهد الدينيّة الإسلاميّة، ولا سيّما في السعوديّة حيث تقع بلاد خادم الحرميْن الشريفيْن على وجه الخصوص، لا بدَّ من أن يكفي لدحض هذا التشكيك جملةً وتفصيلًا.

ولعلّ مجرَّد الأخذ في الاعتبار أنّ “السيرة” تحدَّثت بوضوحٍ عن أنّ الراهب بحيرى هو الذي اكتشَف “وحْمة” النبوّة على جسد الصبيّ محمّد عندما وصَل بمعيّة عمِّه أبي طالب في عدادِ قافلةٍ من الحجاز إلى بصرى الشام بالتزامُن مع مرورِ غيمةٍ سوداءَ بعكسِ اتّجاه الرياح في سماء المنطقة؛ وبينما كان لا يزال “الصبيّ – النبيّ” في الحاديةَ عشرةَ سنةً من عمره، أيْ قبل قرابة الثلاثين عامًا من “نزول” الوحي عليه، يؤكِّد -وفقًا للسيرة النبويّة- حصول اللقاء بينهما، خلافًا لما هو متاحٌ في الأحاديث النبويّة، علمًا أنّ عمليّة الأخذ والردّ ما بين مؤيِّدي نظرة يوحنّا الدمشقيّ وما بين معارضي تلك النظرة لا تزال مستمرَّةً حتّى اليوم من خلال مؤلَّفات النقد والنقد المعاكِس، وهي العمليّة التي لا يختلف اثنان على أنّ أكثر ما ظلّ يُعيقها فعليًّا على الدوام يتمثَّل في فقدانِ عددٍ كبيرٍ من الوثائق القديمة المتعلِّقة ببداية ظهور الإسلام، وخصوصًا إثر حريق المكتبة المكّيّة في بدايات القرن العشرين.

إشكاليّات الأحاديث

وفي هذا السياق، لا بدَّ من الإشارة أيضًا إلى مسألةٍ أخرى بالغةِ الأهمّيّة وتتمثَّل في أنّ المسلمين لا يزالون يستندون في أحاديث الرسول؛ وخاتم الأنبياء، إلى المراجِع والكتب المتاحة كصحيح مسلم والبخاري والترمذي وغيرها استنادًا رئيسيًّا كاملًا لا يقبل التشكيك وفقًا لما يعتقدونه، من دون التوقُّف عند بعض الحقائق التاريخيّة الهامّة التي يُفترَض أن تكون كافيةً لطرْح الكثير من علامات الاستفهام حول صحّة وصدقيّة كلّ هذه المراجِع والكتب، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار بديهيّةً في غاية البساطة ومؤدّاها أنّ محمد النبيّ انتقل إلى جوار ربِّه في السنة الحاديةَ عشرةَ بعد الهجرة، بينما وُلِدَ الجامِعون والمدوِّنون لأحاديثه النبويّة بعد وفاته بمئات السنين، وفي أماكنَ جغرافيّةٍ تبعُد عن الجزيرة العربيّة آلاف الكيلومترات. ومثالًا على ذلك:

صحيح البخاري: مؤلِّفه هو محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي الملقَّب بالبخاري، نسبةً لأصلِ ومكان مولده في مدينة بخارى في خراسان الكبرى (أوزبكستان حاليًّا)، وقد وُلِدَ سنة 194 للهجرة، أيْ بعد وفاة النبيّ بـ 183 عامًا.

صحيح مسلم: مؤلِّفه هو أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري المولود في مدينة نيسابور في بلاد فارس سنة 206 للهجرة، أيْ بعد وفاة النبيّ بـ 195 عامًا.

سنن النسائيّ: مؤلِّفه هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي المولود في سنة 215 للهجرة في مدينة بنساء في خراسان (أوزبكستان حاليًّا)، أيْ بعد وفاة النبيّ بـ 204 أعوام.

الترمذي: مؤلِّفه هو محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحّاك السلمي الترمذي الملقَّب بأبو عيسى الترمذي والمولود في مدينة ترمذ جنوب أوزبكستان سنة 209 للهجرة، أيْ بعد وفاة النبيّ بـ 198 عامًا.

ابن ماجة: مؤلِّفه هو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني المولود في بلاد فارس سنة 209 للهجرة، أيْ بعد وفاة النبيّ بـ 198 عامًا.

المسألة الأهمّ

علاوةً على ذلك، وبصرف النظر عمّا تقدَّم ذكره حول المتاح وغير المتاح ما بين السيرة النبويّة وما بين الأحاديث النبويّة، فإنّ المسألة الأهمّ في سياق استكمال هذا البحث تتمثَّل في وجوبِ طرْحِ السؤال التالي: ماذا تعني يا ترى أرقام 183 و195 و204 و198 من السنوات في الحياة البشريّة؟

الإجابة باِختصار: لقد حدَّد علماء الأحياء الفترة الزمنيّة لـلجيل بـ33 عامًا، ما يعني هنا أنّ الفاصل ما بين وفاة محمّد النبيّ وما بين ظهور مدوِّني الأحاديث المذكورين هو 6 أجيال، وأنّ تطوُّر الزمن وتغيُّر البشر من حيث التحوُّلات الشخصيّة في سلوكيّات رواة الأحاديث تجعل من الصعب الوثوق بأعمالهم وبدوام اتّزانها أو استمراريّتها، ولا سيّما أنّ هذا الرجل أو ذاك ربّما يكون اليوم عاقلًا وغدًا مجنونًا، أو اليوم فاسقًا وفاجرًا وغدًا ورِعًا وتقيًّا، ناهيك عن أنّ البشر في الأصل مذنبون وخطّاؤون وغالبًا ما يجمَعون بين الخير والشرّ والصواب والخطأ والحسنات والسيِّئات وليسوا ملائكةً معصومين ومنزَّهين.

على هذا الأساس، يُصبح في الإمكان القول إنّ جوهر المشكلة هنا يتمثَّل في وجود أكثر من 6 أجيال من السنوات، وهي حقبة زمنيّة مفقودة لا أحد يعلم عنها شيئًا، فضلًا عن أنّها ليست ثابتةً بالأدلّة والبراهين العلميّة التي لا تقبل الشكّ أو اللُبس.

وبمعنى أدَقّ، فإنّ البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة، لم يَروا ولم يَعرفوا ولم يُعايشوا؛ بل لم يُولَدوا أصلًا في عهد محمّد النبيّ أو في عهد صحابته أو حتّى في عهد تابعيهم، ولكنّ نُتاجهم لا يزال يُعتبر لغاية يومنا الراهن من أهمّ مراجِع أسس “الأحاديث” المتاحة لدينا… وجميعهم ليسوا عربًا، أيْ أنّهم لم يُولَدوا في أرض الجزيرة العربيّة، أصل ومنبع الإسلام.

خلاصة القول

هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيِّ نيّةٍ مبيَّتةٍ للتقليل من قيمةِ وشأنِ وفاعليّةِ أيٍّ من أصحاب الأسماء الواردة أعلاه، سواءٌ الأنبياء منهم أم القدّيسين والعلماء، ولكنّ الغرض منه يتمثَّل في وجوبِ فتحِ نافذةٍ للتأمُّل في حيثيّاتِ ما أوصلَتنا إليه “الأسرار الإلهيّة” من غموضٍ وتداعياتٍ في حياتنا المعاصرة على خلفيّةِ إنكارنا المتواصِل؛ جيلًا بعدَ جيلٍ، لـ”الذات البشريّة” التي يمكنُها بكلِّ بساطةٍ، إذا ما فكَّرت بصوتٍ عالٍ، أن تنقلَنا؛ بكلِّ بساطةٍ أيضًا، من الظلام الدامس الذي أُدخِلنا عنوةً في طلاسِمه المتشابكةِ إلى عالمٍ مستنيرٍ وأكثر إشراقًا.

وحسبيَ أن أفتحَ هنا؛ قبل الانتقال غدًا إلى الجزء الرابع والأخير من هذا البحث للحديث عمّا كتبَته أستاذة علم الأعصاب في جامعة أوكسفورد البريطانيّة العريقة كاثلين تايلور عن ظاهرة الأصوليّة والتطرُّف، نافذةً للتأمُّل في المغزى والمعنى لما كتبَه المفكِّر المغربيّ سعيد ناشيد يومًا عن “النفاق” عندما قال:

“ليس هناك من نفاقٍ أسوأ ولا أدنى من أن تطالب بتطبيق الشريعة في بلدك ثمّ تهاجر للعيش في بلدٍ علمانيٍّ!

ليس هناك من نفاقٍ أوقح ولا أقبح من أن تطالب بزيادة موادّ الإسلام في المنهاج المدرسيّ ثمّ تسجِّل أبناءك في إحدى مدارس البعثة الفرنسيّة أو الأميركيّة!

ليس هناك من نفاقٍ أسخف ولا أقرف من أن تطلب من “بائعة الهوى” أن تقول لك زوّجتُك نفسي على سُنّة الله ورسوله، وفي الصباح تمنحها بعض المال وتقول لها أنتِ طالق!

ليس هناك من نفاقٍ أبشع ولا أشنع من أن تدخل المسجد لتدعو على الكفّار بالويل والثبور وعظائم الأمور ثمّ تخرج منه لتطلب المعونات من الكنيسة!

ليس هناك من نفاقٍ أصغر ولا أحقر من أن تشتُم أميركا وتُحرق العلَم الأميركيّ في كلِّ مناسَبةٍ أو دون مناسَبةٍ ثمّ تقفَ في طابور سفارتها أو قنصلّيتها لأجل الحصول على التأشيرة!”.

الارتباك المنطقيّ

ويضيف المفكِّر المغربيّ: “النفاق هو أن تبتهج بوجودِ مساجدَ كبرى وفاخرةٍ في قلب نيويورك ولندن وباريس، أو تبتهج بمشهدِ شابٍّ غربيٍّ يردُّد الشهادتين ولو بصعوبةٍ خلفَ شيخٍ في مسجدٍ من عواصم الغرب، لكنّك في الأوّل وفي الأخير تعتبر ذلك اِنتصارًا للإسلام! ولا تراه اِنتصارًا لقيم حقوق الإنسان وللحرّيّات الفرديّة والحرّيّات الدينيّة داخل الحضارة الغربيّة… بل تُقيم الدنيا إذا علمتَ أنّ قسًّا قام بتعميدِ مسلمٍ واحدٍ ولو داخل الفاتيكان، وتظنّ ذلك مؤامرة ضدّ الإسلام والمسلمين!

النفاق هو أن لا تكترث لفساد الرشوة، ولفساد جهاز القضاء، ولفساد التهرُّب الضريبيّ، ولفساد تبييض الأموال، ولفساد الغشّ في السلع، ولفساد مافيات المخدّرات والميليشيّات الجهاديّة وتهريب الأسلحة، ثمّ ترى الفساد؛ كلّ الفساد، في مجرَّدِ تنّورةٍ أو سروالٍ قصيرٍ أو قُبلةٍ في لوحةٍ إشهاريّةٍ!

النفاق هو أن تعلَم عِلم اليقين وبالأرقام بأنّ المجتمعات الأكثر تديُّنًا في العالم هي أيضًا الأكثر فسادًا في الإدارة، والأكثر اِرتشاءً في القضاء، والأكثر كذبًا في السياسة، والأكثر هدرًا للحقوق، والأكثر تحرُّشًا بالنساء، والأكثر اِعتداءً على الأطفال، ثمّ تقول للناس: إنّ سبب فساد الأخلاق هو نقصُ الدين..! فيا للوقاحة!

النفاق هو أن تُشعِل الفتنة الطائفيّة في العراق وسوريا وباكستان… وتُوقِظ الحرب القبليّة في ليبيا واليمن وأفغانستان… ثمّ تقول إنّك تُقاتل من أجل وحدة المسلمين..! فيا للمصيبة!

النفاق هو أن تعتبر كلّ نساء الأرض ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ، وعوراتٍ، وحبائلَ الشيطان، وحطبِ جهنّمَ، إلّا أمّك فإنّ الجنّة تحت أقدامها!!!”.

نافذةٌ، وإنْ كان النظر منها يمكن أن يؤدّي إلى ارتباكٍ منطقيٍّ لدى رؤية الأشياء المتاحة في غمار مشهدها المتوارَثِ أبًا عن جدٍّ في عالمِنا المعاصِر، ولكنّها تستحقُّ الوقوف عندها بجدارةٍ إذا ما أردنا البحث عن جدارةِ الأشياء فينا. وغدًا سأستكمل هذا البحث من خلال التصويب على عِلم الأعصاب وإرهاصاته المتعدِّدة في صُنعِ الأصوليّة والوصوليّة والإرهاب.

 

بين ماضي الإسلام ومستقبله: دعوةٌ صريحةٌ إلى حوارٍ هادىءٍ مع أخوةٍ مزاجيّين (1 – 4)

بين ماضي الإسلام ومستقبله: دعوةٌ صريحةٌ إلى حوارٍ هادىءٍ مع أخوةٍ مزاجيّين (2 – 4)

رابط مختصر –https://arabsaustralia.com/?p=14653

 

ذات صلة

spot_img