بقلم الكاتب هاني الترك
الجالية العربية في استراليا:تاريخها ومشاكل استقرارها وتأثيرها على المجتمع الاسترالي (4),“ كتب سنة 1988 “
مجلة عرب أستراليا – سيدني – أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه تاريخ لان له ذاكرة ووعي وحضارة وصاحب التاريخ والمعرفة أساس الوعي.والمعرفة بحاضر الجالية هو أساسي لاستخراج العبر والدروس وتصحيح المسار.وهذه الدراسة أعددتها عام 1988 في الاحتفال المئوي الثاني لاستيطان استراليا وفزت بها بالجائزة الاولى في مسابقة صحيفة «النهار» في ذلك الزمن.
ولم أغيّر فيها الحقائق والأحداث لان التاريخ يظل التاريخ… لهذا تنشرها «التلغراف» على حلقات متتالية أسبوعياً مع تحديث الدرس في الدراسة في آخر فصل من اجل استخراج العبر والهدف من الدراسة.
الفصل الرابع
المشاكل التي تواجه العرب في المجتمع الاسترالي
ان الهجرة وترك الوطن الأم هو تجربة صعبة للغاية. لأن العربي يتعلق بأرضه بصلة روحية تمده بالحياة والاستمرار. ولذا فمنذ وصول الروّاد الأوائل في القرن التاسع عشر الى القارة، كان شعورهم بالغربة شديداً، والاحساس بالوحدة كبيراً، في مجتمع يختلف في ثقافته ولغته وتركيبته عن وطنهم الأم. لذلك التفوا حول بعضهم في مدّ يد المساعدة لبعضهم البعض، وتمركزوا في منطقة ردفرن في ولاية سيدني، وكان يطلق عليهم في ذلك الوقت اسم السوريين، وكانوا مصنفين من قبل السلطات مع الاسيويين.
قد عانوا من العزلة والعنصرية ضدهم. وكان تأقلمهم في المجتمع الاسترالي غاية في الصعوبة. وبالمثل فان المهاجرين العرب الذين قدموا بعد ذلك عانوا من مشكلة التأقلم في المجتمع الجديد. واهم مشكلة تواجه المهاجرين هي اللغة التي تقف عائقاً في فهم العربي للمجتمع الاسترالي.
والمشكلة الثانية هي البحث عن سكن يتناسب مع دخلهم المحدود، فيضطر العربي للسكن في مناطق متواضعة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي مثل إحياء لاكمبا وكامبسي وبانشبول وماركفيل. وثالث مشكلة تواجه العربي في استراليا وخصوصاً الفوج الأخير منهم هو البحث عن عمل، حيث ان البطالة متفشية في المجتمع، ومعظم هؤلاء لا يتمتعون بمهارات مهنية وعلمية ولغوية، حتى وصلت نسبة البطالة بينهم إلى 31 %.
والصدمة الكبرى للمهاجر العربي هي رؤيته للحريات المطلقة الممنوحة للمرأة في المجتمع الاسترالي، حيث انه لم يتعود في بلاده الأم على هذه الحريات التي يعتبرها إباحية، لأن المرأة عند العرب لها احترامها ومحافظتها على مظهرها وملبسها.
أما الحياة العائلية فقد تصاب أحيانا بشيء من التزعزع، وذلك لأن المرأة العربية تجد لزاماً عليها العمل ومشاركة زوجها في متطلبات الحياة المادية، فتضطر المرأة لعدم تمتعها بمهارات علمية ولغوية ومهنية إلى العمل في أعمال هابطة المستوى مثل المصانع. فتقوم المرأة بأعمال شاقة في المصنع لم تتعود عليها في بلادها الأم، إلى جانب عملها داخل المنزل وتربية الأطفال والعناية بهم، مما يخلق ضغطاً عليها.
ويترتب على ذلك ان الرجل لم يعد القائم وحده بدور الإنتاج والدخل المادي للمنزل، وقد يكون عاطلاً عن العمل فيفقد مركزه كرأس الأسرة، وربما تتقلص سلطته وخصوصاً إذا لم يكن معتاداً على القيام بالأعمال المنزلية، مما يضع حياة الأسرة واستقرارها في مهب الريح. فلا عجب إن تقول الإحصاءات أن نسبة كبيرة من النساء العرب، نتيجة لعدم القدرة على تحمل مشقة هذه الحياة الصعبة، تتردد على مراكز الصحة النفسية والعصبية مثل مركز ماركفيل الصحي.
وقد يقود هذا الوضع إلى استخدام العنف العائلي مما يؤدي الى الطلاق، وانهيار الأسرة وتشرد الأطفال. إلا أن الطلاق يجب أن يتم بحسب قانون الأسرة الاسترالي في المحكمة، وهنا تظهر صعوبة قانون الأسرة على المهاجر العربي المسلم، بحيث إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي الذي يجب ان ينظم شؤون الزواج والطلاق في حياته. وهذه المشكلة حساسة للغاية ويجب النظر اليها بتفهّم وتعطف من قبل السلطات الاسترالية.
ومن هنا تبدو أهمية الحوار الدائم المستمر بين أئمة المسلمين ورجال الدين، وبين مستشاري المحكمة والمحامين، من اجل التغلب على هذه المشكلة في محاولة توضيح القصد من قانون الأسرة الاسترالي، والنية التي تنطوي عليها الشريعة الإسلامية لأسباب الصراع وحل المشكلة. فهناك حاجة ماسة من واضعي النظام القانوني في المحاكم لتفهم القواعد الإسلامية المستمدة من الشريعة في محتواها الاجتماعي وما يتضمنه من قيم تلعب دوراً ثقافياً مميزاً في حياة المسلمين.
فإذا كانت استراليا حقاً هي مجتمع الحضارات المتعددة، فيجب ان يأخذ القانون بعين الاعتبار المضمون الاجتماعي لقضايا الطلاق للمسلمين في المحاكم. ومن أهم المشاكل التي تواجه العربي في عملية استقراره هو التفهّم الكافي للأنظمة الاسترالية، كالنظام القضائي والسياسي والاجتماعي والمالي، وغيرها من الأنظمة.
فان جزءاً كبيراً من العرب الذين هاجروا إلى استراليا جاؤوا من القرى العربية، ويواجهون في استراليا مجتمعاً مركباً في مؤسساته وتنظيمه، حيث أن شبكة علاقاته وأعماله تقوم على المعلومات، والذي يتمتع بالمعلومات يكون في موضع أفضل من غيره، فيشعر العربي، وخصوصاً في سنوات الاستقرار الأولي بالضياع من صعوبة الحصول على المعلومات، حيث يلتجئ إلى الأصدقاء، والأقارب في الحصول على المعلومات التي تساعده على التعامل مع المؤسسات المختلفة، وغالباً ما تكون هذه المعلومات غير دقيقة حيث يبنى عليها قراره الخاطئ لأنها لم تأت من المصدر الصحيح.
ومن المشاكل التي يواجهها الشخص العربي في استراليا هي التمييز العنصري ضد العرب والمسلمين. فهناك أفكار مشوهة عن العرب والمسلمين لدى بعض الاستراليين مثل استخدام العنف وحمل السكاكين، والادعاءات الباطلة لتعويضات العمال (كما يسمى الظهر اللبناني)، والفوضى وعدم التزام النظام والمتاجرة بالمخدرات، والتأخر الحضاري، واحتقار المرأة، وهذه أخطاء فردية تحدث في جميع الأمم، ولكن وسائل الأعلام الاسترالي تستغلها، وتضخم من أي حادث يصدر من أي عربي يسيء إلى سمعة العرب، فيواجه الشخص العربي صعوبة في الحصول على عمل، وإذا حصل عليه فهو يواجه صعوبة في الترقية.
إن التعصب العنصري والمذهبي لدى الاستراليين تجاه العرب يمكن استنباطه من استطلاع عقدته مؤسسة «سولويك هيرالد» والذي نشر في صحيفة الهيرالد بتاريخ 9/2/1988. فقد أكد الاستطلاع ان الأكثرية الساحقة من الاستراليين تفضل هجرة الأوروبيين، وخصوصاً البريطانية إلى استراليا، في حين أن 17 في المائة فقط يفضلون هجرة مواطنين من الشرق الأوسط. فقد احتلت منطقة الشرق الأوسط، مقارنة بين دول العالم، المرتبة السفلى من حيث تفضيل الهجرة منها. وفي نفس الاستطلاع فان 42 في المائة من الاستراليين تعارض من هجرة وتطالب بمنع هجرة مواطنين من الشرق الأوسط. وكانت هذه النسبة من أعلى النسب في الاستطلاع، يفوق عنها نسبة الهجرة من آسيا والتي بلغت نسبة الاعتراض عليها هي 44 في المائة.
والتمييز العنصري ضد العرب واضح في سياسة الهجرة للحكومة، فتبعاً لدراسة «لجنة الارشاد على سياسة الهجرة» الصادر عن الحكومة لعام 1987 فان النمو السكاني الطبيعي الاسترالي هو حالياً بمعدل 0،6 في المائة، والنمو السكاني نتيجة الهجرة هو 0،7 في المائة وحسب الجدول المنشور في الكتاب المذكور، فان نسبة الهجرة من منطقة الشرق الاوسط في الوقت الحالي هي 0،9 في المائة من حجم السكان الكلي. ومن المتوقع ان تصل هذه النسبة الى 1،5 في المائة فقط من حجم السكان في عام 2025، في حين ان نصيب الجاليات الاخرى كلها اعلى بكثير من نصيب الجالية العربية.
كما وان التمييز العنصري ضد التلاميذ العرب في المدارس من قبل التلاميذ الآخرين من الممكن ابرازه في دراسة نشرت في كتاب بعنوان «اتجاهات الشباب الاسترالي» والتي أجريت على ثلاثة آلاف طالب في سيدني يمثلون نماذج مختلفة من الثقافات، فقد وجدت الدراسة أن نسبة 82 % من التلاميذ الاستراليين يفضلون الزواج من استراليين مثلهم في حين أن 9 % فقط لا يمانعون من الزواج من عرب أو فلسطينيين. وهذه النسبة الخاصة بالعرب والفلسطينيين كانت أدنى نسبة في الدراسة من الجاليات الأخرى.
فان تحيّز وسائل الإعلام الاسترالي، في تأثيرها على الرأي العام الاسترالي ضد القضايا العربية وخصوصاً القضايا الفلسطينية ينعكس على جهل الاستراليين الحقيقي بعدالة هذه القضايا. وتعود أسباب الجهل أيضا لعدم الاختلاط الكافي للعرب بالمجتمع الاسترالي لخلق عملية الفهم والوعي والتعاطف نحو القضايا العربية، إلى جانب افتقار العرب إلى الموارد الإعلامية المتقدمة وعدم انتهاج الأسلوب العلمي في توعية الشعب الاسترالي بها. ولكن يمكن القول انه مع فتح مكتب الإعلام الفلسطيني عام 1982 في استراليا، اتسم العمل الوطني الفلسطيني في الدفاع عن القضية الفلسطينية بأسلوب منظم وفعالية أكثر من الماضي.
وتبعاً لاختلاف الثقافة العربية عن الاسترالية، وما تشمل من خلاف في العادات والتقاليد، فان الشخص العربي يتمسك بتقاليده العربية، مثل ممارسة العبادة في الجوامع والكنائس، أو الانتماء إلى تنظيمات عربية، واللقاء مع العرب في الزيارات وارتياد أماكن وملاهي ومطاعم عربية، والحفاظ على عاداته العربية في الاحتفال بالأعياد والتعميد والطهور والدفن وغيرها من المناسبات، كل هذا لأن العربي لا يستطيع التخلي عن ثقافته العربية بصفتها جزءاً من هويته الذاتية التي لا يمكن التراجع عنها، أي أن الثقافة العربية في حياة العربي هي محور لمعظم نشاطاته في استراليا.
وفي السبعينات من هذا القرن، وبعد دراسات متواصلة، أدركت السلطات الاسترالية ان سياسة الحضارات المتعددة يجب أن تكون سياسة الدولة الرسمية. وهذا المفهوم يعني أن الجاليات الاثنية في استراليا، التي بقدر بمائة وعشرين ثقافة، يحافظ أفرادها على تقاليدهم وعاداتهم، ولغاتهم، وثقافتهم، وتراثهم، من خلال التفاعل مع المجتمع الاسترالي، وكل فرد في أي جالية له حقوقه المتساوية مع باقي افراد المجتمع. وبناء على ذلك عندما يختلط العربي بالمجتمع الاسترالي أكثر ويتفهم ويكتسب الثقافة الاسترالية، يكون بذلك متمتعاً بثقافتين متكاملتين في شخصيته، احدها عربية والأخرى استرالية، فما أجملها وأروعها من ثقافة تجمع محاسن الثقافتين.
أما مشكلة الجيل الثاني من العرب المولودين في استراليا، فإنها ذات شأن هام فأبناء هذا الجيل يقع بين فكي ثقافتين، عربية واسترالية. الأولى يتشربها من المنزل والثانية يستقيها من المجتمع لتكوّن شخصية مختلطة في انتمائه الثقافي، فإذا حصل صراع غير تكامل بين الثقافتين في شخصية الشاب، قد يؤدي هذا إلى تشكيل هوية مضطربة.
وعندما ينشأ هذا الجيل في استراليا تشده إغراءات المجتمع المادية، وربما ينسى ثقافة آبائه لحساب الثقافة الاسترالية، فيبوء مستقبله بالفشل، وربما يؤدي إلى انحراف سلوكي وضياع اجتماعي. فإذا كان غرس أصول الثقافة العربية في المنزل بطريقة سليمة في نفسية الطفل والشاب، فبالمثل فان زرع الثقافة الاسترالية الصحيحة بواسطة المجتمع المدرسي في شخصية الشاب، لهي عامل فعّال في نجاحه وتفوقه، لأن هوية الشاب هي النافذة التي يطل فيها على المجتمع.
رابط مختصر…https://arabsaustralia.com/?p=9850