تاريخها ومشاكل استقرارها وتأثيرها على المجتمع الأسترالي (1)
“كتب سنة 1988″
بقلم هاني الترك
مجلة عرب أستراليا – سيدني – ان الانسان هو الكائن الوحيد الذي لديه تاريخ لانّ له ذاكرة ووعياً وحضارة.والمعرفة بحاضر الجالية هو أساسي لاستخراج العبر والدروس وتصحيح المسار.وهذه الدراسة اعددتها عام 1988 في الاحتفال المئوي الثاني لإستيطان أستراليا. وفزت بها بالجائزة الاولى في مسابقة صحيفة «النهار» في ذلك الزمن.ولم أغيّر فيها الحقائق والاحداث لان التاريخ يظل التاريخ… لهذا تنشرها «التلغراف» على حلقات متتالية أسبوعياً مع تحديث الدرس في الدراسة في آخر فصل من اجل استخراج العبر والهدف من الدراسة.
أسباب الهجرة
اكتشف الابوريجينيون استراليا وقطنوها منذ حوالي 65 ألف عام ويعتقد المؤرخون ان البحارة العرب كانوا على معرفة تامة بها، حيث اكتشفوا الساحل الغربي الجنوبي لها قبل وصول البرتغاليين الى المحيط الهندي واعتقد آخرون ان الاسبان قد قدموا الى الساحل الشرقي من القارة الاسترالية قبل اكتشاف كابتن كوك لها عام 1771.عاد كابتن كوك الى بلاده بريطانيا مقترحاً لحكومته ان تتخذ من القارة المكتشفة منفى للسجناء البريطانيين. في تلك الحقبة من الزمان كانت سجون بريطانيا مكتظة بالسجناء وقد امتنعت أميركا بعد حصولها على استقلالها عن السماح لاستخدام أراضيها كمنفى للسجناء البريطانيين.
أُوكل تنفيذ فكرة الاستيطان الى اللورد سيدني سكرتير وزارة الشؤون الداخلية البريطانية في ذلك الوقت.أبحر الاسطول من شواطئ بريطانيا وعلى متنه ما يقارب 1375 سجيناً بينهم النساء والرجال والاطفال. وكان من ضمنهم أيضاً بعض اليونانيين والايطاليين والاميركيين. ويصحبهم ما يقارب 110 أشخاص من البحارة والحراس وعائلاتهم . حمل هؤلاء معهم أمتعتهم ومعداتهم وطعامهم وجميع مستلزماتهم متجهين الى القارة.واجه المبحرون أثناء رحلتهم قسوة البحار وأهوالها.. حيث مات منهم 81 شخصاً.
وصل الاسطول الى بوتني باي في 26 يناير/ كانون الثاني عام 1788 ومن ثم الى الروكس في سيدني. اعلنت بريطانيا في ذلك الوقت ان جميع أراضي القارة هي جزء من ممتلكات التاج البريطاني وسُميت المستوطنة بنيو ساوث ويلز.بدأ بعدها قدوم المستوطنين والسجناء اليها. حتى زاد عدد سكانها ونمت وإزدهرت. وفي عام 1801 انفصلت فيكتوريا عن نيو ساوث ويلز لتصبح ولاية مستقلة. وفي عام 1809 انفصلت أيضاً كوينزلاند حيث اصبحت ولاية مستقلة، وفي عام 1825 انفصلت ولاية تازمانيا. وفي عام 1829 أُسست مستوطنة بيرث في غرب القارة. وفي عام 1836 أُسست مستوطنة أدلايد في جنوب استراليا. وفي عام 1901 دخلت هذه الولايات في اتحاد فيديرالي واستقلت استراليا عن بريطانيا ولكنها بقيت عضواً في الكومنويلث البريطاني واستمرت ملكة بريطانيا هي السلطة العليا لدولة استراليا ممثلة بالحاكم العام.
وكانت الهجرة ولا زالت هي المورد الرئيسي لبناء استراليا وتقدمها. وتبعاً لأهمية سياسة الهجرة على البلاد اصبحت من اختصاص الحكومة الفيديرالية. وكانت سياسة الهجرة هي سياسة استراليا البيضاء بقبول جزء كبير من المهاجرين البيض من أوروبا. وبعد الحرب العالمية الثانية تبنّت استراليا سياسة واسعة بالهجرة قبلت على اساسها اكبر عدد ممكن من المهاجرين في تلك الفترة من تاريخها.
في الستينات من هذا القرن سمحت الحكومة بقبول بعض المهاجرين من بعض الدول الاوروبية. وفي عام 1973 أُلغيت رسمياً سياسة الهجرة المبنية على اسس عنصرية. وفُتحت ابواب الهجرة لجميع أجناس العالم بشرط ان تتوفر لصاحب الطلب مواصفات الهجرة المطلوبة. وبناءً على ذلك زاد عدد المهاجرين من جميع بلاد العالم حتى اصبحنا الآن نرى من كل 5أستراليين شخصاً واحداً وُلد خارج استراليا.
أثّر المهاجرون على جميع أنشطة الحياة الاسترالية وساهموا في بناء الاقتصاد المتقدم لتصبح استراليا دولة ذات الحجم المتوسط بين الامم المتحضرة ومجتمع الحضارات المتعددة. والواقع ان استراليا كانت متعددة الحضارات منذ يوم 26 يناير/ كانون الثاني عام 1788 حينما رسى الاسطول الاول رحاه على شاطئ سيدني وكان من القادمين جنسيات متعددة غير البريطانية الى جانب الوجود الابوريجيني الاصلي قبل الاستيطان في ذلك اليوم التاريخي.والآن وبعد مرور مئتي عام على ذلك اليوم المشهود. وفي العيد المئوي الثاني لنا وقفة نتفحص بها تاريخ ودور الجالية العربية في بناء المجتمع الاسترالي المعاصر المتعدد الحضارات.
الهدف من البحث
يُقدر حجم الجالية العربية في أستراليا برابع جالية إثنية بعد الايطالية واليونانية واليوغوسلافية. وجالية بهذا الحجم الكبير لم تُعقد حتى اليوم عليها دراسة شاملة باللغة العربية تتعرض لتاريخها وحضاراتها وتأثيرها على المجتمع. مع التسليم بأن هناك كتابين بالانكليزية قد تناولا الجالية اللبنانية وتأثيرها. وبحثي هذا رغم قصره فهو محاولة مختصرة لتسجيل تاريخ الجالية العربية والمشاكل التي تواجهها وتأثيرها على المجتمع. هذا هو الهدف الاول من الدراسة. أما الهدف الثاني هو المحاولة لرصد كل ما نُشر بالانكليزية عن الجالية العربية في استراليا وذلك على شكل مراجع مدونة في نهاية البحث.
الفصل الاول في هذا البحث يُلخص من هم العرب ومفهوم الثقافة العربية والبلاد التي جاؤوا منها وحجم الجالية الحالي.أما الفصل الثاني فهو يتتبع تاريخ الهجرة العربية الى استراليا منذ القرن التاسع عشر متضمناً أسباب الهجرة ودوافعها مع ملاحظة اننا قد اعتمدنا في هذا الفصل على إستقاء الحقائق التاريخية من بعض المهاجرين العرب الذين مضى على هجرتهم مدة طويلة وذلك لعدم وجود معلومات رسمية عن هذا لموضوع.
الفصل الثالث يناقش الطبائع التي يتميز بها المهاجر العربي مثل نظام الاسرة كوحدة اجتماعية أولى في تكوين المجتمع العربي في استراليا. ثم الديانة التي ينتمي اليها العرب وأثرها في تحقيق الهوية الدينية وما يترتب على ذلك من بناء كنائس وجوامع. كما ان العربي يعبر عن هويته الوطنية بتكوين الجمعيات والتنظيمات المختلفة. وعن طبيعة وحجم هذه التنظيمات خصصنا بقية هذا لافصل.
أما الفصل الرابع فيناقش المشاكل التي يواجهها العربي في محاولة استقراره في استراليا وعملية التفاعل الاجتماعي والثقافي. كما يناقش هذا الفصل أوضاع الجيل الثاني من العرب هنا من حيث تعليمهم وفرص العمل أمامهم والتطابق الثقافي في الجمع بين الثقافتين العربية والاسترالية.ويناقش الفصل الخامس تأثير الجالية العربية في استراليا. اما الفصل السادس فيتعرض للمستقبل الذي قد يواجه الجالية وأعضاءها في استراليا ومحافظتها على الثقافة العربية في استراليا.
رابط مختصر…https://arabsaustralia.com/?p=9562