مجلة عرب أستراليا سدني – الإرهابيون الأجانب يُقلقون أوروبا… وهذه خياراتُ المواجهة
بقلم الصحافي خلدون زين الدين-النهار العربي
يُقلق “سفراء الظلام” أوروبا. أهم مواطنون أم إرهابيون وجب إسقاط الجنسية عنهم؟ كيف يمكن التعامل مع من حَوّل الخرائط الدولية أوراقاً متطايرة؟ مع من قَتَلَ وتفنّن بتوثيق جرائمه العابرة للحدود؟ و… من أرهَبَ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأحكام الكَهف والرجعية؟
على طاولة بروكسيل خيارات عدة. وعلى طاولة الأمم المتحدة تحقيقٌ خاص بجرائم تنظيم “داعش”، ودعوة الى إنشاء محكمة دولية على غرار محكمة نورمبرغ لمقاضاة المقاتلين الأجانب العائدين. الخيار هذا يبقى احتمالاً نظرياً. تجسيده واقعاً يستدعي دعماً سياسياً ليغدو آليةً فعالة لتحقيق العدالة.
الدعوات إلى محكمة على غرار نورمبرغ، ترتكز إلى اعتقاد يقول إن “المقاتلين الأجانب يظلون، في الأساس، مسؤولية بلدانهم الأصلية”.
وزير الخارجية الهولندي السابق بيرت كوندرز، مثلاً، يُعلق على تسمية “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”، برأيه: “هم ليسوا أجانب على الإطلاق، قد يكونون أجانب في بلدان يذهبون إليها، لكن في الواقع، هم مواطنونا ومعارفنا وزملاء أطفالنا، هم جزء من مجتمعاتنا. ربما يكون الشيء الوحيد الغريب علينا هو عقليتهم (…)”.
بريطانيا، الخارجة لتوها من الاتحاد الأوروبي، يجادل القائدُ السابق لجيشها اللورد دانات، بوجوب إعادة المقاتلين البريطانيين الأجانب في سوريا “لأنهم جنود المملكة المتحدة”. هو يرى أنه يجب “إخضاع المقاتلين للإجراءات القانونية، وسجنهم إذا كان هذا هو الشيء الصحيح (…)”.
خيارات عدة
بالاستناد إلى تقرير حديث صدر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في ألمانيا وهولندا ECCI – حصل “النهار العربي” على نسخة منه – تمتلك الدول الأوروبية خيارات عدة للتعامل مع تحديات إعادة المقاتلين الأجانب.
…وآخذاً بالاعتبار طبيعة النظام السياسي والتقاليد القانونية في كل دولة، فإن الاستجابات القانونية للمقاتلين الأجانب قد تختلف اختلافاً كبيراً من دولة إلى أخرى، لكن يمكن تحديد أربعة خيارات رئيسة للتصدي، بحسب المركز الأوروبي.
أول الخيارات، تركُ المقاتلين الأجانب وعائلاتهم لتحاكمهم السلطات المحلية في دول تحتجزهم. الخيار الثاني يرتكز الى منع المقاتلين الأجانب بشكل فعال من العودة إلى دولهم الأصلية، إما من طريق تجريدهم من جنسيتهم أو باستخدام الحجج التقنية للطعن في وجود جنسيتهم الأولية. ثالث الخيارات، الاعتراف بحق المقاتلين الأجانب في العودة مع تجنب الجهود الدولية النشطة لتسهيل عودتهم إلى الوطن. ورابع الخيارات وآخرها، يتمثل في إعادة المقاتلين الأجانب بشكل فعال إلى أوطانهم وإخضاعهم للمحاكمة فيها، مع تكثيف جهود المراقبة أو إعادة التأهيل أو إعادة الإدماج بعد عودتهم.
إجراءات العودة في فرنسا
اتبعت باريس سياسةَ التعامل مع كل حالة على حدة. وفي ما يتعلق بالأطفال، أعطيت الأولوية للأيتام ومن تنازلت أمهاتهم عن حضانتهم، بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI. بموجب السياسة هذه أُعيد ثمانية وعشرون طفلاً بينما ترك 270 طفلاً فرنسياً في المخيمات.
بخصوص الراشدين من المقاتلين نساء ورجالاً، تمسّكت السلطات بموقفها الداعي إلى محاكمتهم على جرائم ارتكبوها في سوريا أو العراق، من دون إعادتهم. ففي كانون الثاني (يناير) 2020 تم النظر في قضايا ضد 24 رجلاً وامرأة متهمين بوجود علاقة تربطهم بتنظيم “داعش”، رغم أن 19 من أولئك المتهمين قد ماتوا، وحوكم جميع المتهمين غيابياً في ظل حرص السلطات على تجنب إثارة قضية إعادة المقاتلين، المرفوضة من الرأي العام، وتجنباً لانتقاداته للحكومة.
…وفي ألمانيا وبريطانيا
السلطات الألمانية نفذت نهجاً شمولياً في التعامل مع المقاتلين الأجانب. جردت من يملك جنسية مزدوجة من جنسيتهم الألمانية. في الحالات الأخرى سمحت بالعودة، وأعادت النساء والأطفال إلى وطنهم.لندن، بدورها، رفضت عودة المقاتلين الأجانب. سحبت الجنسية من مزدوجي الجنسية، لكنها أبدت استعداها لإعادة الأطفال البريطانيين، شرط أن يكونوا أيتاماً أو تنازلت أمهاتهم عن حضانتهم.
ليست على جدول الأعمال
بالانتقال إلى بلجيكا، فقد أعلن وزير الخارجية البلجيكي أن عودة المقاتلين ليست على جدول الأعمال. السلطات البلجيكية كذلك جردت مزدوجي الجنسية منهم من الجنسية البريطانية، ومن يُسمح بإعادتهم يتم احتجازهم بشكل ممنهج، بصرف النظر عن وسائل عودتهم، وتُعرض قضاياهم على قاضٍ، مع إمكان مصادرة بطاقات هويتهم وجوازات سفرهم لتقييد سفرهم.
…متوسط عقوبة المقاتلين الأجانب العائدين في بلجيكا، خمس سنوات سجناً. إجراءات السجن، يمكن أن تشمل أنظمة العزل، أو تجميع المقاتلين الأجانب في وحدات منفصلة، أو إعادة التوطين. كما يتم إرسال العائدين ممن يُعتقد أنهم يمثلون خطراً مستمراً إلى واحد من خمسة سجون تابعة تُوفر أفضل فرص المراقبة على ايدي ضباط سجون مدربين تدريباً خاصاً. مثل هذه الإجراءات، تُدعّم بتقديم برامج دعم نفسي وتعليم ديني بجانب التدريب على المهارات المهنية لهم تمهيداً لإعادة دمجهم في المجتمع.
…تمثل إعادة المقاتلين الأجانب إلى دول أوروبا، “خطورة داهمة – بحسب ECCI – لا سيما بعدما تمت أدلجتهم وزادت اضطراباتهم النفسية نتيجة الممارسات غير السوية في مناطق النزاع”. عناصر كثيرة تتداخل وتتشابك في السياق، وتتباين رؤى أجهزة الاستخبارات ذات الصلة. الثابت المشترك، أن العودة وتحدياتها تمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، في أي مكان، وأي زمان.