مجله عرب استراليا -سدني- أردوغان وجيش السلطنة غير المعلن -بقلم الدكتور هيثم أبو عيد
لم يعد خافياً على أحد سياسة أردوغان في الإقليم وحتى أحلامه التوسعية في دول آسيا الوسطى وحتى أوروبا الشرقية .يستفيد هذا الرجل من مرحلة تفكك سياسي عالمي وعدم وجود أحلاف فاعلة إن لم نقل متشاكسة فيما بينها حتّى ضمن المنظومة التي تنتمي اليها تركيا ونقصد هنا حلف الناتو .
فالعلاقات بين الأحلاف الأعداء بدأت بالترهل منذ أن وصل ترامب الى البيت الأبيض حاملاً معه نزعته التسلطية الإقتصادية ونهمه المالي ، مسلّطاً سوطه الإقتصادي ليس على أعداء أميركا فقط بل على خصومها وأصدقائها ، والجميع خبر تصريحاته حول لماذا على أميركا أن تقوم بحماية من لا يدفع ؟ ونحن لا نعمل بالمجّان حتى بدا أنّ العدو أكثر أمناً من سطوة ترامب منه الى الصديق أو الحليف .
بالعودة الى ما يُعرف بالربيع العربي وحفلة جنون العالم العربي بإدارة الرئيس أوباما وصقوره ونعني هنا هيلاري كلينتون والمستشارة رايس السابقة واللاحقة والذين كانوا يُشرفون على مخاض شرق أوسط جديد كما وصفوه خالٍ من محور الشرّ والدول المارقة حسب تعبيرهم ، معتمدين على الشارع السُنّي ليكون مشروع ورأس حربة لهم ، وهذا ما صرّحت به هيلاري كلينتون بعد سقوط حسني مبارك واستلام الاخوان الحكم في مصر .
بالعودة الى أردوغان وهو الآتي من خلفية أخوانية عالمية فكان من الطبيعي أن يكون له دور في هذه الحفلة الشرق أوسطية وهذا ما شهدناه من فتح الحدود والمطارات التركية لمقاتلي الحريّة ، كما كان هناك دور لإخوان الاْردن والخليج .
الربيع العربي خدم أردوغان
إنّ التعبئة التي حصلت في الشارع العربي والإسلامي العالمي خلال فترة الربيع العربي خدمت أردوغان كي يقوم بتحقيق حلم إستعادة السلطنة المفقودة أو كما يقول إرث الدولة العثمانية أو على الأقّل تنفيذ مشروع الإستيلاء على المجال الحيوي والمقصود هنا تقريباً نفس السياسة التي إتبعها أدولف هتلر قبل الحرب العالمية الثانية وهي الإستيلاء وإحتلال مناطق معيّنة تشكل حزام أمان لألمانيا النازية وضمان رخائها الإقتصادي وتوجيه موارد الدولة الدولة نحو تحقيق هذا الهدف .
لقد إستفاد أردوغان بنفس الوقت من الحملات الدعائية والتعبئة ضد إيران وإستخدام مصطلحات وشعارات مذهبية من أجل حشد جماهيري وتأسيس خطاب شعبوي ، سيّما أنّ مساندة إيران للنظام في العراق وسوريا بات من الإستراتيجيات المعتمدة في طهران .
فكرة الخلافة لدى الشارع المسلم
إنّ فكرة الخلافة أو إستعادة المجد المفقود بغضّ النظر عمّا إذا كانت خلافة على منهاج النبوّة أو منهاج القرون التي يليها ، فالفكرة في الأساس هي حلم يراود أكثر الشعوب العربية والإسلامية حتى نجد هذا الفكر عند غير المتدينين ، فقط لأنّه جزء من الموروث الديني كما أنّ الموضوع يتعلق ببعض المفاهيم القرآنية كمفهوم الحاكمية والولاء والبراء ، فنرى فئات من شعوب المنطقة تدغدغ مشاعرها هذه التسمية وتلامس شغاف قلبها ، يساعد على ذلك ترّدي الأوضاع الإقتصادية وسوء إدارة البلاد السياسية من قبل الأنظمة الحاكمة وفِي ظلّ الهزائم التي مُنيت بها الدول العربية أمام الغطرسة الصهيونية ، لذلك يَرَوْن أنّ إتحادهم بظلّ خليفة قد يعاود الأمل في نهوض الأمّة وعزتها .
تأليب المشاعر
إنّ الطريقة التي يستخدمها الرئيس التركي أردوغان في خطاباته وإستخدامه المصطلحات الدينية والإستدلال بآيات من القرآن الكريم والتعابير الاسلامية وإستخدامه القسم في أغلب الأوقات مع ترداده لازمة الدفاع عن المظلومين متأسيّاً بشعارات الثورة في إيران حول الدفاع عن المستضعفين ، يلقى صدى عند شرائح متعددة في الشارع الاسلامي وان كانت لا تتفق معه في المجال العقائدي ونظرته لقيام الدولة ، تلعب هنا العاطفة دورها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء سبر أغوار فكر هذا الرجل وسلوكياته وشخصيته المثيرة للجدل ، فهو نصير المظلومين ولكن ليس في فلسطين الأكثر مظلومية عبر التاريخ ، فتركيا التي تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية مع الكيان الصهيوني لاتجد مكاناً لها هذه المظلومية !
وهو قد كلّف نفسه بالدفاع عن المسلمين في العالم ولكن المسلمون الإيغور مستثنون من هذا الدفاع ، حتى أنّ تصريحاته عندما زار الصين أتت مخيّبة للآمال عند البعض حيث أعتبر ان الحديث عن ظلم وإضطهاد الإيغور جزء من البروباغاندا السياسية .
هو أقسم أنّ الصهاينة سيدفعون ثمن شهداء سفينة مرمرة ويقدمون إعتذاراً ، ولكن لم يحدث شيئاً من هذا القبيل بل وأعاد فتح سفارة تركيا في تل أبيب .
هو أدان نقل سفارة واشنطن الى القدس وهاجم صفقة القرن ولكنه في المقابل ما زال يحتفظ بأفضل العلاقات مع ترامب بل وقد قام بالآونة الاخيرة بإتهام حزب العمّال الكردستاني وجماعة المعارضة التركية بالمشاركة في التظاهرات ضد العنصرية بأميركا .
هو أقسم بأن يدفع الرئيس السوري الأسد ثمن ما أسماه جرائمه بحق الشعب السوري وبأنّه سيصلي في المسجد الأموي ، لكن لم يحصل اي شيء من هذا .
هو تاجر وما زال يتاجر بورقة اللاجئين السوريين على الاراضي التركية وفي المناطق الشمالية من سوريا بوجه الاتحاد الاوروبي ويمارس الابتزاز السياسي والمالي .
تصريحاته لا تطمئن دول الإقليم
إن تصريحه حول ليبيا في الآونة الأخيرة وكيف أنها جزء من الميراث العثماني ومن إرث الضابط الشريف مصطفى كمال أثار حفيظة الدول العربية ، كما أن تركيا هي الحوض الكبير في البحر المتوسط ، لا أدري ما عمق ثقافة الشباب المسلم العربي بالنسبة لشخصية مصطفى كمال ، ولكن دون شك فقد كان اردوغان يدغدغ عواطف الشعب التركي وهو يتحدث عن مصطفى كمال ودوره في تأسيسه حزب الشعب التركي .
ولا يجب ان ننسى تصريحاته عقب تطهير داعش من الموصل حيث دعا الى ابقاء العرب السُنّة والتركمان حصرا في الموصل بينما قامت قواته بطرد الأكراد من شمال سوريا واستبدالهم بعشائر تركمانية والجدير ذكره أنّ اردوغان يعتبر الموصل وكركوك وحلب أراضٍ من التركة العثمانية أيضاّ .
جنود السلطنة
من الملاحظ أنّ أردوغان لم يطرح نفسه سلطانا او خليفة تماما كما يحلو للبعض أن يطلق صفة القيصر على الرئيس الروسي فلاديمير پوتين ، ولكن من الملاحظ وبعد فشل انقلاب 2016 لاحظنا كمية الضخ الإعلامي والبروباغندا التي تصوّر اردوغان على أنّه السلطان وتستخدم بعض الأحيان صفة خليفة ، دون شك هذا لا يأتي من فراغ ، ففي الإعلام والحرب الدعائية لا يوجد شيء اسمه فراغ ونحن نعلم أكثر المواقع كيف تُدار من مطابخ أجهزة أمنية ومخابراتية ، فكما هناك جيوش عسكرية على الجبهات هناك جيوش إلكترونية وجيوش اجتماعية وفكرية تعمل ضمن منظومة وأجندة معينة تخدم الهدف المرسوم له ، مئات المواقع بل الآلآف التي تساهم في ضخ ونشر الأخبار وكتابة المقالات صحيحة كانت أم كاذبة كالتي نشاهدها ونقرأها Deep fake ،
وبمقابل هذا الجيش الإلكتروني هناك جيش من المنظمات الاجتماعية والإنسانية بين قوسين طبعاً ، هناك العشرات من المنظمات التركية الاجتماعية والإنسانية التي تعمل في البلاد العربية والإسلامية ، لو أخذنا مثالاً وكالة التنمية والتنسيق التركية ( تيكا ) ، تدخل الى موقع هذه المنظمة الإلكتروني لتقرأ على صدر الصفحة الاولى : ( سوف نصل الى جميع أنحاء العالم وسنمّد يد العون بإسم تركيا الى جميع المظلومين ) ، وعلى سبيل المثال لا الحصر منظمات NGOs التركية وهي بالعشرات أيضاً ومنتشرة في العديد من البلدان العربية والإسلامية ، حتى أنّه لفت نظري وأنا أجري بحثاً عن هذه الجمعيات أن ّ NGOs ساهمت في تمويل وافتتاح مسجد في وسط إفريقيا ، ناهيك عن النشاطات في باكستان والهند والصومال والدول الأفريقية وفِي العراق والشمال السوري ولبنان .
الجيش الأخطر
الجيش الآخر والأكثر خطورة هو منظمة ( SADAT ) أو سادات وقد يكون صادات من فعل صدّ .
تعرف هذه المؤسسة الأمنية بالعالم العربي والغربي على أنها ميليشيات اردوغان أو الحرس الثوري التركي ، البعض يصفها بأنها نموذج black water التركية ، مقرها في إسطنبول وهي تعمل في مجال خدمات إعادة التنظيم والاستشارة والتدريب ونقل المعدات العسكرية للقوات المسلحة في عدة بلدان ، تأسست الشركة من قبل 23 ضابطاً متقاعداً عملوا كإستشاريين ومدربين في الناتو في مجال محاربة الاٍرهاب والتكتيك العسكري وحرب العصابات .
يرأس المؤسسة الضابط المتقاعد عدنان تانريفردي وبدأت عملها رسمياً في 2012/02/28 ، مستشار الرئيس الاميركي السابق مايكل روبن كشف أنّ الشركة دربّت 3000 مقاتل اجنبي من دول عربية ودول آسيا الوسطى والقوقاز وأرسلتهم الى سوريا وليبيا ، النائب عن حزب الشعب الجمهوري التركي تقدّم بإستجواب من البرلمان طالب فيه رئيس الوزراء آنذاك بن علي يلدرم بالكشف عن أنشطة الشركة وعلاقاتها الدولية ، ومن هي تلك الدول وهل هناك معسكرات تدريب في دول أخرى على غرار معسكرات التدريب في تركيا ؟
أسئلة كثيرة بعضها بأجوبة ويبقى الكثير بدون أجوبة بإنتظار حدثٍ ما يساهم في فتح الملفات والوثائق .
رابط مختصر https://arabsaustralia.com/?p=9411