spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 52

آخر المقالات

هاني الترك OAMـ أستراليا الحائرة بين أميركا والصين  

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM أثنت الصحيفة...

صرخة تحت الركام: حكاية نازح لبناني صحا ليجد أحلامه أنقاضاً

مجلة عرب أستراليا ـ صرخة تحت الركام: حكاية نازح...

هاني الترك OAM ــ  الحظ السعيد

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الكاتب هاني الترك OAM إني لا...

الدكتور هيثم أبو عيد :لبنان أزمة معيشة أم أزمة هويّة !

 مجله عرب استراليا – سدني – لبنان أزمة معيشة أم أزمة هويّة ! – بقلم الدكتور هيثم أبو عيد

وصلت الأزمة الإقتصادية في لبنان إلى طريق مسدود بظلّ تعاظم سعر السلع الغذائية وجشع طبقة التجّار المدعومين من الطبقة السياسية وفي ظل غياب أيّ دور رقابي حكومي وقضائي ، قد نستطيع القول أنّ هذه العاصفة الاقتصادية والمعيشية لم يشهدها لبنان بكل المحطات الأمنية المحلية والإقليمية والدولية بإستثناء مجاعة الحرب العالمية الاولى ونتمنى أن لا نصل اليها والتي طالت أجزاء ً كثيرة من العالم في الشرق والغرب على السواء .

صراع على الهويّة

لبنان هذا البلد المشرقي ذو المساحة الصغيرة والذي يعتبره البعض أنّه نقطة تلاقي بين الشرق والغرب ، ومهد الحضارة ومنشأ الحرف والرسالة الثقافية للعالم ، هذا البلد يواجه معضلة إنتماء ومشكلة كيف يتحاور أطياف مكوناته فيما بينهم .
دعونا لا نتحدّث عن مواضيع إنشائية وجماليات في المشهد الأدبي على قاعدة أعطني الناي وغنّي ، بل نتكلّم عن شعوب تسكن هذا البلد وأنا قصدت كلمة شعوب وليس شعباً واحدا
لأنّ تعريف مصطلح الشعب الواحد هو التكامل بين فئة بشرية مجتمعة في النمط والتفكير والفن والأدب والمطبخ والسياسة ، قد تجد معترضين لهذا التوصيف ، ولكن في الحقيقة الاعتراض لن يغيّر من هذه الحقيقة شيئاً !
الشعوب القوقازية التي إستقلّت عن الإتحاد السوفياتي والتي كانت تتحدث بلكنات ولهجات ولغات مختلفة كان المشترك بينها الفن والرقص والموسيقى والمطبخ ، ولكن كانت مشكلتها الهوية القومية ، فكل شعب يحمل موروثاً تاريخياً قبلياً وعشائرياً ، الثقافة والأدب لم تستطع الحفاظ على الشعوب القوقازية موّحدة فحصل الانهيار والتقاتل الدموي فيما بينهم ، والأمر ذاته ينطبق على دول البلقان التي لا تختلف عن بعضها البعض بالمطبخ والفن الفولكلوري والموسيقى حتى الأسماءالشخصية كانت مشتركة بينهم ، لكن المشكلة كانت بموروث فكري سياسي وعشائري بغيض ، ما إن أتيحت فرصة الانقضاض على بعضهم حتى أعملوا السكيّن في رقاب بعضهم البعض .

تضّاد تفسيرات مفاهيم السيادة والاستقلال

بالعودة الى الشعوب اللبنانية حتى الآن هناك ثقافتين متضادتين ونعني هنا الثقافة السياسية ، تدفع الواحدة الأخرى بشكل مضطرد ، ولا نقصد هنا التصادم الديني والمذهبي ، هذا يُستغل بالطبع ومن عدّة الشغل كما يقال ، لأننا نجد في كل ثقافة سياسية او دعنا نبسّط الامر في كل معسكر ٍ متنوع مذهبي وطائفي متعدد وهذا ما يضفي صفة الإصطفافات في لبنان بأنها إصطفافات سياسية وليست دينية وإن إتخذت لبوس الدين أحياناً .

إنقسام عامودي مستمر

يجب علينا ان نعترف أنّ هناك إنقسام عامودي كبير في لبنان وحتى المنطقة إن صحّ التعبير في التوجّه والرؤية السياسية المختلفة عند كل فريق ، إختلاف في تعريف الوطنية والحرّية والسيادة ومفهوم الاستقلالية والتبعية ، لأن لبنان وبالذات هو كيان وُلد من رحم سايكس – بيكو طبقاً لزواج قهري بين مكونات القناصل والمتصرفين الذين تعاقبوا على هذا البلد ، وبتحصيل الأمر لم يتغيّر شيئاً في تركيبة هذا الطفل المشوّه الذي نشأ وترعرع وهو الآن ما زال في سنين المراهقة ولم يبلغ سن الرشد رغم ولادته منذ عقود .
ويعود الأمر الى سوء التربية بإشراف ورعاية القناصل والسفارات أنفسهم الذين يحضنونه وأسلموا رعاية شؤونه الداخلية الى مجموعة من الزعماء ( مدبرّة منزلية ) إستقووا بمذاهبهم وطوائفهم لتعزيز حضورهم وسيطرتهم على المقدرات الإقتصادية بل وعملوا على ربط الإقتصاد ولقمة الناس بهم وبأولادهم وبأحفادهم وذريتهم ، لم تتبدل الطبقة الإقطاعية والحكم الاقطاعي الذي كان سائداً ايّام الدولة العثمانية وحكم المتصرفية مطلقاً .

عندما تتصارع الفيلة يكون العشب أول الضحايا

إنّ هذا الإنقسام العامودي بين الشعوب اللبنانية وزيادة إنقسامه من خلال رسم كل خطّ عند كل إستحقاق مردّه الى نزاع المعسكرات الدولية والإقليمية ولا أحد في لبنان يُنكر ذلك ، والصراع في منطقتنا الشرق اوسطية الملتهبة هي قضية فلسطين المحتلة ونفط البحر المتوسط ، ويقوم كل معسكرٍ بتحصين دفوعاته البيانية الإستراتيجية ونظرته حول مستقبل المنطقة وفلسطين بالذات .

لبنان جزءاً من الصراع بحكم موقعه الجغرافي والديموغرافي

إنّ فكرة لبنان قوته في ضعفه وحياده غير قابلة للتطبيق ، وهذا ما كتبته في إحدى مقالاتي عن الضعف والحياد في منطق الدول ، ليتبين لنا أنه لا توجد دولة محايدة في العالم حتى سويسرا وقد أسهبت في شرح هذا الموضوع الذي نشره موقع مجلّة عرب أوستراليا مشكوراً منذ أكثر من سنة .
فلبنان التاريخي أو سمّه الفينيقي والآرامي والروماني ومن ثم الأموي والعباسي والمملوكي والعثماني وحتى زمن الانتداب لم يستقل عن محيطه الجغرافي ولا الديموغرافي سواء أكان من الجانب الفلسطيني أو حتى السوري ، والوقائع والخرائط والتاريخ والتداخل السكاني لا يكذبون هذه الحقيقة ، بكل الأحوال ونحن ضمن حدود إتفاقية سايكس – بيكو والقرارات الدولية فإننا أمام واقع مفروض لا فرار منه ، وإن كنّا لا نستطيع الهروب من التاريخ للذين لا يؤمنون بالنصوص الدينية ، فهذا البلد يعيش هذا التأثير منذ التأسيس عام 1943 وحتى ما قبل هذا التاريخ ، أزمة هويّة في إنتماء لبنان ونحن اليوم نعيش هذه الأزمة .

المساكنة هل هي حل أم الطلاق بمعروف

منذ الاستقلال عام 1943 حتى عام 1958 والثورة على كميل شمعون الذي انحاز لحلف بغداد وهو حلف أرادوا به حصار القوميين العرب وإسقاطهم تحت شعار مقاومة المد الشيوعي السوفياتي ، والأمر برمتّه هو تصفية القضية الفلسطينية ليس إلاّ ، تخلّى الرئيس شمعون او بالأحرى انكر الانتماء العربي بتأييده حلف بغداد وإستدعائه قوات المارينز لحمايته تحت ذريعة حماية المارونية السياسية ولا أقول المسيحيين بالطبع فهناك فرق شاسع .
منذ عام 1958 وحتى عام 1975 كان لبنان على موعد مع إستحقاق أمني آخر كان الشعار أيضاً أزمة هويّة ورفع شعار حماية الوجود الذي اعتبره البعض أنّ هناك تهديدا ً وجودياً لهم ، زاد الأمر تعقيداً دخول الإحتلال الصهيوني على خط الصراع كما حصل عام 1958 ودخول المارينز الأراضي اللبنانية .
لم تمضِ فترة المساكنة حتى شهد لبنان مخاض ولادة شرق اوسط جديد عام 2006 تمثّل بقيام الكيان الصهيوني بمحاولة تغيير سياسي وامني عبر عملية عسكرية واسعة على غرار ما حصل عام 1982 وهذا ما اعترفت به صراحة وزيرة الخارجية الاميركية كوندليزا رايس بأننا نشهد ولادة شرق أوسط جديد ، والشرق الاوسط الجديد بالمعنى الاميركي هو حلف بغداد آخر لكن بقصّة شعر حديثة وعطور جديدة مركبّة من مختبرات صهيونية / أميركية / وبعض الدول العربية ، وخلال هذا العدوان كانت لدى البعض أزمة هوية حقيقية .

الفساد هي حشرة الارض التي نخرت عصا النبي سُليمان

إنّ منظومة الفساد في البلد تجعل من هذا الكيان جسداً خاوياً أجوفاً ومهترئاً تماماً كالعصا التي إتكأ عليها نبي الله سليمان عليه السلام فلما أكلتها حشرة الارض أصبحت جوفاء فسقطت وسقط جسد النبي سليمان الذي كان متوفياً بالأساس .
 حتى الآن لبنان بحالة سريرية ولم يمت بعد ، ولكن لحظة السقوط تكمن بإستمرار منظومة الفساد ضمن التفاوت الفكري السياسي بين مكونات شعوبه ، وسقوط هذا الكيان يعني بالنهاية إمّا الدفع بإتجاه بناءه مجدداً مع تعديل للهندسة المالية والاقتصادية وتحديد موقعه نقصد هويته ، أو الذهاب الى تقاسم قطعة الأرض وكل شعبٍ يبني منزله الذي يرغب ويريد وبالهندسة التي يراها مناسبة والإطلالة التي يريدها .
فهل أصبحنا قريبين من السقوط وتقاسم الأرض أم سنعود الى مؤتمر تأسيسي جديد وميثاقية جديدة تحددها الشعوب اللبنانية بأنفسها فقط ، ويُبحث فيها الدور والهوية والإنتماء !
إذا كان ولا بُدّ من ذلك ، نأمل أن لا تكون مثل أعوام 1958 و 1975 و 1982 فالشعوب كلها تئن تحت سوط الجوع والفقر والعوز والتاريخ لن يرحم .

 

ذات صلة

spot_img