spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 52

آخر المقالات

هاني الترك OAMـ أستراليا الحائرة بين أميركا والصين  

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM أثنت الصحيفة...

صرخة تحت الركام: حكاية نازح لبناني صحا ليجد أحلامه أنقاضاً

مجلة عرب أستراليا ـ صرخة تحت الركام: حكاية نازح...

هاني الترك OAM ــ  الحظ السعيد

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الكاتب هاني الترك OAM إني لا...

الدكتور هيثم أبو عيد ـ عندما ترتدي القومية لبوس الدين

مجله عرب استراليا -سدني -عندما  ترتدي القومية لبوس الدين  بقلم  الدكتور هيثم أبو عيد 

لم أَجِد تعريف سهل ومبسّط عن هذا الموضوع سوى هذاالتعريف :القومية الدينية هي الارتباط بمعتقد ديني معين أو عقيدة وإنتماء . يمكن تقسيم هذه العلاقة إلى جوانب: تسييس الدين وتأثير الدين على السياسة.

إنّ فكرة إضفاء قدسية الدين على الفكرة القومية ليست بالجديدة في الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية ، فلطالما استخدمت الحضارات التي سادت ثم بادت المفهوم القومي / الديني في ترسيخ سلطاتها وتعميق حضورها وغزواتها ، إستخدام العرق النبيل والصافي ببركة الآلهة كانت متلازمة عند المصريين والإغريق ومن ثم انتقل الى الإمبراطورية الرومانية ، الأضاحي الحيوانية والبشرية وإراقة الدماء ونثر البخور كانت من الطقوس المهمة والضرورية لشدّ العصب القومي أثناء الحروب والغزوات .

دون شك نمت هذه الأفكار عبر عدة جذور ورموز ثقافية معينة ، لا نستطيع ربطها بأيّ عصر من عصور تشكيل الارض بعد الطوفان الذي ذُكر في الكتب السماوية والموروث الديني ، ولكن القومية هي بلا أدنى شك إستخدمت المفردات الدينية وطقوسها ومقدساتها لأنّه بالنهاية إستخدام الاموات في زرع الشعور القومي يساهم بشكل كبير في تحقيق الأهداف المرجوّة لدى الأحياء .

الجندي المجهول هو الوسيط الروحي للمقاتلين

تدأب الدول من أجل بث الروح القومية ودغدغة مشاعر المواطنين الى إيجاد ترابط روحي بين الاموات ( الشهداء ) والأحياء وذلك عبر إقامة نصب تذكارية للجندي المجهول ، من هو هذا الجندي ؟

هو الذي قدّم روحه ودمائه من اجل أن يبقى الشعب أو الأمّة في رفعة وعزّة ، إضفاء القداسة على النزعة القومية في سياق ما ذكرناه بين الحضارات والأمم وإيجاد شخصية إعتبارية تصل الى درجة القداسة ، أمثلة كثيرة عبر التاريخ وشواهد متعددة لا يسعنا ذكرها ، بمعنى آخر فإنّ أرواح هؤلاء الموتى العظماء سوف تُدمج في مجموعات القومية ، ليبقى الشعار ” من نحن ؟ “.

اللغة المحليّة عامل مهم كمحرك أساسي للقومية

لم تظهر القوميات في أوروبا إلا بعد أن تمّ إضعاف اللغة اللاتينية التي كانت تعتبر مقدّسة في الكنيسة وحلّت محلها اللغات واللهجات المحلية ، يجب ان لا ننسى أن اللغة اللاتينية كانت توحد أكثرية شعوب أوروبا ، وما ينطبق على أوروبا ينطبق في عصر الخلفاء الراشدين والدولتين الأموية والعباسية التي كانت تعتمد اللغة العربية في المراسلات والمناقلات ، أضف أنّ القرآن الكريم نزل بلسان العرب ، من هنا نلاحظ أنّ فكرة القوميات لم تقوَ الا في نهايات الدولة العباسية ، كما أنّ ما حصل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ونشوء القوميات ونموها كالفطر هو تقوية اللغات المحلية على حساب اللغة الروسية وان كانت موجودة في دول رابطة اتحاد الدول السوڤياتية السابقة في الصروح العلمية والجامعات .

تحميل الدين المسؤولية وهو بريء

دعا الاسلام الشعوب الى التعارف على قاعدة أنّ أكرم الناس هو من كان محبّاً وكريم الأخلاق وتقّي السريرة ، وإلى نبذ الفوارق الطبقية والقومية والشعوبية والعنصرية وأنّه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ، أُعتبر الإيمان هو المعيار في الأخوّة وأن الإنسان أخو الانسان لكن المفاضلة هو من يستطيع أن يكون نافعاً للبشرية والخلق أكثر ، دون شك هذه شرعة فاقت كل الشرائع الوضعية ، تحميل الدين الاسلامي ما هو ليس فيه هو ظلم وتجنّي ، وهو لا يتحمل موروث فقهي أو نزوات أمراء وفقهاء سخرّوا أحاديث وفتاوى لنزواتهم وأهوائهم .

المسيحية لم تدعو للقومية ولا الى العنصرية

إنّ تعاليم المسيح عليه السلام بحسب الكنيسة والآيات في القرآن الكريم أظهرت التسامح في الدعوة ، المسيح كان نور الله على الارض ، جاء لهداية خراف بني إسرائيل الضالّة ، حتّى أنّه كان يذكّر تلامذته ( الحواريين ) بالمحبة والتكافل بين الناس ويعدهم بالملكوت ( الجنّة ) ، نجد فئة قليلة من المسيحيين من يحمل نمطاً إلغائياً وشعوبياً مثل الفكر اليهودي ، وهؤلاء يسمّون بالاستبداليين أي أنهم خواص البشر الذين آمنوا ببشارة المسيح عليه السلام في حين أنّ اليهود كذّبوه لذلك فإن الله حسب معتقدهم أسمى اليهود شعب الله المختار وأصبحوا هم الشعب المختار .

إنّ إنتفاضة النبلاء الإيرلنديين ضد التاج البريطاني وإستخدامه النزعة القومية لم يكن ليقوى ويصبح اكثر ضراوة دون اللجوء الى العامل الديني ما بين الكاثوليك والبروتسنتات ، التي ترافقت مع ثورة أو حركة الإصلاح في إيرلندا بالقرن السادس عشر ، حيث كانت ردّة فعل على الكنيسة الإيرلندية الانگليگانية التي هي الطبقة الحاكمة والنخب المثقفة التي احتكرت كل شيء وأدّى ذلك الى فجوة إقتصادية وإجتماعية بين الكاثوليك والبروتسنات نتج عنها حروب ومعارك دامية بين الطرفين .

كما أنّ القومية المسيحية في مفهومها هي شكل من أشكال القومية الدينية التي لبست هذا اللبوس من أجل ترسيخ فكرة نشوء الدولة القومية كما ذكرنا في بداية المقالة ، كما حصل في يوغسلافيا السابقة حيث كان الصرب يعتبرون أنفسهم بوابة حماية الأرثوذكسية في أوروبا ، مع أنّ المشكلة هي قومية وتحمل إرث تاريخي قومي منذ عهد السلطنة العثمانية ، وكما حصل مع الجبهة اللبنانية المسيحية وهي حركة قومية مسيحية رفعت شعار الصليب من أجل تخديم فكرتها كما حصل إبّان حروب الفرنجة على الشرق الاوسط وإستخدم بطرس الناسك الصليب نفسه لبث الروح الدينية في المشروع القومي الاوروبي الذي اعتمد على التوسعة والغزو والسيطرة على الأماكن المقدسة وتأمين طريق الحجّاج المسيحيين .

اليهود يحملون فكر قومي يهودي تمثّل بالحركة الصهيونية

في معتقدهم هم شعب الله المختار وأنّ الله خلق الشعوب ليكونوا مطايا وخدم لهم ، وقد جاء في سفر التثنية ( 2:14 ) ” لأنّك شعب مقدّس للرب إلهك ، وقد إختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصّا فوق جميع الشعوب الذي على وجه الأرض “.

ورد في وثيقة ” إعلان الدولة ” بتاريخ ١٤ / ٥ / ١٩٤٨ والتي أعلنت بكل وضوح أنّ ( إسرائيل ) هي دولة يهودية مع أنّ الإعلان ترافق مع مبدأ المساواة في الحقوق الإجتماعية والسياسية لكل مواطني ” الدولة ” حسب تعبيرهم ، لكن في الحقيقة هذا الإعلان هو أجوف مجافٍ للحقيقة وتضليل للرأي العالمي والدولي .

وما نشهده وتشهده الاراضي المحتلة خير شاهد على العنصرية والقومية البغيضة .

القومية العربية إستظلّت بالدِّين الاسلامي

إنّ نشوء القومية العربية أو ما سُميّ بحركات التحرر العربي بإندفاعاتها بعد سقوط الرجل المريض أو السلطنة العثمانية على يد الشريف حسين بدعم المخابرات الإنكليزية ، لم يشفع للأتراك إنتماءهم للأمّة الاسلامية حيث عملت الأجهزة البريطانية على نشر فكرة النهضة والتحرر العربي من ربقة التسلّط والنزعة الطورانية التي كانت بالفعل قد دبّت في جسد السلطنة المريض ، لم تكن هناك غرابة ان تقوم ثورة عربية على أسس شعوبية ، الجدير ذكره أنّ هذه الثورة من خلال الرصاصة الاولى عبر جريدة ” القِبلة ” الناطقة بإسم الثورة أعلنت عن رفع العلم العربي ذي الألوان الأربعة عام ١٩١٧ ، والذي كان يتألف من مثلث أحمر اللون يشير الى لون الدم تلتصق به ثلاثة ألوان أفقية متوازية هي الأسود في الأعلى يليه الأخضر في الوسط والأبيض في الأسفل ، وهذه الألوان لها دلالات بالشعارات التي رفعتها الدولة الأموية والعبّاسية .

اللون الأسود كان في الدولة العباسية ، الأخضر في الدولة الأموية بالأندلس ، اللون الأبيض كان بالدولة الأموية دون أن ننسى قدسية معلن الثورة الشريف حسين وهو الهاشمي القرشي .

القومية العلمانية لم تحقق أهدافها

إنّ فكرة علمنة القومية ونحن هنا نتحدث عن الشرق الاوسط لم تصل الى مستوى الآمال التي كانت مرجوّة ، فالناصرية في مصر وشعار الأمة العربية لم يتحقق تحت ضربات حلف بغداد والانقلاب في سوريا الذي وجّه ضربة الى مشروع الوحدة ، كما أنّ الفكر البعثي لم يستطع إيجاد نقطة تفاهم بجناحيه السوري والعراقي ، كما أنّ القومية التقليدية في باكستان والتي حاولت بث الشعور القومي بعيداّ عن الخلفية الدينية لم يكتب لها النجاح خاصة في موضوع كشمير وانتقل الملف بكامله الى يد الحركة الاسلامية ، والجدير ذكره أنّ الحركة البلوشية القومية أيضاّ أصبحت أثراً بعد عين لأنها جوبهت من باكستان الدينية وإيران الاسلامية فهل بقي لها ثوب ترتديه !

أمّا القومية الكردية فشأنها شأن القومية البلوشية في أزمتها .

وفيما خصّ القومية العلمانية التركية فصمدت في حلّتها الطورانية العسكرية لحقبة من الزمن حتى فنرة الثمانينات الى أن بدأت بإعادة إنتاج نفسها عبر قومية إسلامية تمثلّت بأحزاب إسلامية تحاول حجز مقعد لها على المسرح الإقليمي بعد أن قوقع العسكر التركي دورها من خلال علمانية طورانية خالصة ، ليأتِ الدور القومي / الإسلامي ، كما يقوم الروس بالدور القومي الأرثوذكسي في الشرق الاوسط والبلقان ودول القوقاز .

إنّه زمن القوميات المتجلببة بلباس الدين والمتزينة بالموروث والتاريخ المقدّس .

رابط مختصرhttps://arabsaustralia.com/?p=11500

 

ذات صلة

spot_img