مجله عرب استراليا – سدني – بقلم الدكتور هيثم أبو عيد : إفقار الشعوب خدمة للسياسة
غالبا ما تتعرّض الشعوب لأخطارٍ تهددّها في أمنها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحتى أمنها الحياتي ، هذه الأخطار إمّا تكون خارجية وهذا نتيجة سلوك وعدائية من الشعوب الأخرى التي عُرفت منذ تاريخ البشرية الأول ، كانت الدوافع إمّا عقائدية أو إقتصادية ولَم يكن مقتصراً على الحضارات المدنية والإمبراطوريات بل شمل أيضاً التجمعات القبلية والعشائرية من غزو وإستعباد وإسترقاق ، الخطر الذي لا يقلّ خطورة عن العامل الخارجي لتهديد الشعوب وإفقارها وإسترقاقها هو الخطر الداخلي .
ونعني هنا الحكومات غير المسؤولة والتي لا تعمل لصالح شعوبها ومواطنيها إنَّما تكون أداة طيّعة بأيدي قادة العسكر أو طبقة التجّار والمصارف ورؤوس الأموال التي تستغّل الإنسان الى أبعد الحدود في تشكيل إنتاجهم وإقتصادهم ، هذه الحكومات هي أقرب الى الحكومات الأوليغاركية وهي التي تهتم بمصالحها الخاصة وتكون المنفعة فيها للأغنياء ، أمّا الفقراء وطبقة المهمشين فهم الذين يبقون في دائرة الخطر نتيجة الممارسات الخاطئة من الحكومة وهناك توصيف آخر للحكومات التي تشيع الفوضى وتتحكم الشخصانية والظلم في ممارستها تسمى الحكومة الديماغوجية وإن إتخّذت لبوس الدستورية والديموقراطية لأنها بالنهاية تشكل خطراً على شعبها سواء بالإقتصاد والإجتماع.
وهذا يعيدنا الى مقولة المفكّر الاسلامي الدكتور علي شريعتي في موضوع الإستعمار والإستحمار فالأول هو خطر ٌ يأتي من الخارج أمّا الثاني فهو الخطر الداخلي من قبل الحكومات وهل هناك طامّة كبرى من أن تحوّل الانسان البشري الى حمار !
كيف تعمل الحكومات على إفقار شعوبها وبالتالي تحويلهم الى مجرد أدوات تشغيلية في مشاريعهم الاقتصادية والسياسية ؟
للإجابة على هذاالتساؤل لفتني تقريراً على إحدى القنوات التلفزيونية أتحاشى ذكرها كي لا أدخل في الترويج الإعلامي او تبني وجهة نظرها ، هذا التقرير يتحدث عن إستكانة الشعوب وخمود مطالبها بعد الحروب والمعارك وحتى الكوارث الطبيعية والإستفادة من قبل الأنظمة والحكومات على بسط السيطرة الاقتصادية على مقدرات الدولة تحت شعار الأمر لنا وأن لا صوت يعلو فوق صوت المدفع وبالتالي يسمحون لأنفسهم بالتصرّف دون الرجوع لصوت الشعب أو حتى سماع مطلبه مع أنّ الشعار في المحاكم والوزرات والقصور الرئاسية يكون غالباً ( الشعب مصدر السلطات )
تماماّ عندما يشتري الرجل سيارة فارهة ويتباهى بها أمام ولده الصغير قائلاً له : إشتريت لك هذه السيارة يا صغيري وإلاّ كيف تساهم الحكومات في غسل عقول شعوبها وإفقار مواطنيها !
ماذا يعني أن تُطلق الحكومات أيدي المصارف والبنوك للتحكم في الفوائد والضرائب والقروض دون محاسبة !
ماذا يعني أن لا يكون لديها جهاز مفعّل لمراقبة الأسعار والبضائع لدى التجّار والباعة لحماية المواطن المُستهلك وإن وُجد هذا الجهاز فهو مرتهن ومندوب وموظّف من قبل المصارف وأصحاب رؤوس الأموال .
ماذا يعني أن لا تقوم الدولة بحماية الإنتاج الزراعي وترك الأمور للمتنفذين بعقد صفقات تجارية إقليمية ودولية ثم أين حماية الشركات الصناعية الوطنية وإستبدالها بشركات ضخمة لها فروع كالأخطبوط في كل دول العالم .
لماذا إعتماد رفع الضرائب على السلع التي تستخدمها الطبقات الفقيرة والمتوسطة بعد الأزمات والكوارث !
وأخيراً تهريب رؤوس الأموال الضخمة للسياسيين الذين يقومون بعمليات تجارية ومضاربة في الأسواق المحلية ، وهل هناك قانون يمنع أعضاء الحكومةوالبرلمان بإستخدام حصانتهم لإقامة مشاريع تجارية والإستفادة من نفوذهم بالتهرّب الضريبي !
هذه التساؤلات ألا تساهم بشكل مباشر في إفقار الشعوب وضرب الإقتصاد المحلي وجعل البلد يستجدي المساعدات والقروض كي يبقى شعبه مملوكاً للطبقة الإقتصادية الناهبة التي تسيطر على الحكومات كي تبقى صاحبة النفوذ في عالم الأسواق وبالتالي هي التي ترسم السياسة الخارجية للبلد .
وبالتالي من يحمي تلك الشعوب من حكوماتها ؟ نعود الى أصل المشكلة في التحكم بقرارات الشعب الاقتصادية والحياتية حيث لا يمكنه إختيار حماته ولا قضاته ولا المدافعين عنه ، من يحرس الحرّاس مقولة الشاعر الروماني جوفينال في تساؤله من يراقب ومن يحاسب حماة الشعب عندما تتحول الحكومة الى سلطة فاسدة ديماغوجية أو إنتهازية ، من يحمي تطبيق القوانين والحفاظ على مقدرات الشعب الإقتصادية من الذين فرضوا أنفسهم أو عينوا أنفسهم حرّاساً .
حتماً سنعود الى حلقة مفرغة ، بعض الدول المتقدمة والمتطورة لجأت الى المراقبة الرقمية والإلكترونية ولكن دون شك فهذا النظام له محاذيره ومخاطره كما أنّه عرضة للإختراق من الأجهزة الأمنية والعسكرية التي لها الأثر السلبي والمساهمة في إفقار الناس وإخضاعهم لأجنداتٍ معينة .
بالنهاية أزمة شعوبنا هي أزمة حكوماتنا والمؤسف أنّ شعوب المنطقة لم تصل الى مرحلة الوعي السياسي والاقتصادي الذي يرسم خارطة طريق لتحررها إقتصادياً وبالتالي تحررها سياساً ، فئة قليلة نعم تدرك ماذا عليها ان تفعل ولكن يتشبثون بمقولة أحد روّاد ومفكري الثورة الفرنسية فولتير حين يقول ” من الخطر أن تكون على حق حين تكون الحكومة على خطأ “.
رابط مختصر https://arabsaustralia.com/?p=8390