مجلة عرب أستراليا سيدني
العناوين- بقلم الدكتور رغيد النحّاس
اختيار عنوان لبحث، أو موضوع، أو قصّة، أو قصيدة، أمر هامّ وجزء من عملية الكتابة ونقل المعلومات. الأمر سهل بالنسبة للمواضيع العلميّة، لأنّ المراد من العنوان هو الوصف المباشر لموضع البحث، والدلالة عليه بأسلوب الكتابة العلميّة للنصّ.
الأمر يختلف في حال الإبداع الأدبيّ. ومع أنّه يمكن هنا اختيار عناوين صارمة بمدلولات مباشرة، كما يفعل البعض، لكنّ النصوص الإبداعيّة بحاجة لعناوين إبداعيّة، برأيي. مثلًا يستحسن أن يجعلنا العنوان نفكّر بما سيكون عليه المضمون، لا أن نعلمه مباشرة. هذا يحرّك المخيّلة، ويزيد من التشويق. أنا أعطي العناوين أهمّيّة فائقة، وأحاول أن أجعلها إبداعيّة بحدّ ذاتها، مع محافظتها على إيحاءات تتعلّق بمحتوى النصّ.
ومع أنّ حقوق النشر لا تنطبق على العناوين أو الأسماء (إلّا حين تكون علامة تجاريّة)،لا بدّ من البحث عن عنوان لم يسبق استعماله، أو حتّى ما يشبهه، احترامًا لصاحب العنوان، ولأنفسنا أوّلًا، فالمبدع يجب أن لا تنقصه الحيلة في حلّ هذه المعضلة.
وبما أنّ “توارد الخواطر” أمر وارد جدًّا، يقتضي الأمر أن نبحث بعمق. هذا البحث كان شبه مستحيل قبل توفّر “الإنترنيت”. أمّا الآن فيمكن القيام بذلك بسهولة، خصوصًا العناوين غير العربيّة. فعلى الرغم من التقدّم الكبير في محرّكات البحث بالعربيّة، لا زالت مقصّرة بالنسبة لغيرها.
أحبّ العناوين الجيّدة، وأحرص على أن أتفرّد بالعناوين التي أختارها. لذلك أكرّس جهدي في الاستقصاء والبحث. ومع ذلك خذلت نفسي مؤخّرًا.
أنا أتعاطى مع اللغة الإنكليزيّة أكثر بكثير من اللغة العربيّة. هذا ما يجعلني أحيانًا حين أبحث بالعربيّة أتصرّف وكأنّني أبحث بالإنكليزيّة، وهذا الأمر انتبهت له مؤخّرًا حين اخترت عنوان مجموعتي الشعريّة “الأمس كان غدًا”.
قبل اعتمادي هذا العنوان، وضعت عبارة “الأمس كان غدًا” على محرّك بحث غوغل مستخدمًا جهاز الكومبيوتر على مكتبي، فأنا لا أستخدم الهاتف الجوّال لهذه الأمور عادة. لم أجد هذا العنوان، وأرسلت الكتاب للنشر. وبعد توقيع العقد، أعلنت عن الكتاب على صفحتي على فيسبوك.
بعد حوالي أسبوعين وصلتني رسالة على ماسنجر من الكاتب والناقد العراقي لؤي حمزة عبّاس يعلمني فيها أنّ الكاتب العراقي الراحل كاظم الأحمدي نشر رواية بعنوان “أمس كان غدًا” عام 1992. كما أرسل لي دراسة قيّمة قام بها حول الأحمدي صدرت في كتاب عام 2022.
سارعت إلى مراسلاتي مع الناشر وتأكّدت أن الكتاب نُشر، ولم يعد أمامي مجال في تغيير العنوان. والذي تعلّمته من هذه التجربة أن إبقاء أو حذف “ال” التعريف من الجملة يحدث فرقًا في عمليّة البحث. كما أنّ البحث من طريق الهاتف المحمول أكثر دقّة.
طبعًا حزنت، واستغربت كيف لم ينبّهني إلى ذلك أصدقائي العراقيّين والشعراء في أستراليا. طبعًا لا ألوم، فربّما مثلي لا يعرفون. بصراحة لم أسمع سابقًا بالكاتب أو عمله، ونحن رغم التواصل التقني نبقى بعيدين عن الجوّ الأدبيّ العربيّ في مهده (على الأقلّ أتكلّم عن نفسي).
ولكن فرحت بالتعرّف إلى شخصيّة من مثل الأستاذ لؤي حمزة عبّاس الغيور على زملائه الكتّاب. في لفت نظره هذا يخدم ذكرى الراحل كاظم الأحمدي، ويكرّمني بلفت نظري لهذه المسألة لأنّ من مصلحتي لو لم تحصل. والواقع، لو كنت مكانه لفعلت الشيء عينه. كلّ الذين يتعاملون معي يعرفون كيف ألاحقهم على كلّ كبيرة أو صغيرة من هذا النوع.
تحيّة إكبار لك يا لؤي، ولتدم ذكراك عاطرة يا كاظم.
رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=29690