مجله عرب استراليا سدني – روسيا واعتقال المعارض الكسي نافالني في المطار
بقلم الدكتور خالد ممدوح العزي
استاذ محاضر في كلية الاعلام والاتصال في الجامعة اللبنانية .
وصل المعارض الروس الكسي نافالني، مساء الأحد بتاريخ 17 يناير الحالي قادما من برلين على متن رحلة الخطوط الجوية الروسية “يوبيدا ” وتعني النصر، بعد أكثر من أربعة شهور، أمضاها في ألمانيا للنقاهة، من آثار التسمم، وكانت الأجهزة الأمنية الروسية، نفت بشكل قاطع، أية صلة لها بحادث تسمم نافالني، شهر آب/ أغسطس من العام الماضي، أثناء رحلة جوية من مدينة تومسك في الشرق الأقصى الروسي، عائدا إلى موسكو، بعد أن أنجز حلقة جديدة من سلسلة برامجه المشهورة باستقصاء ملفات الفساد.
حيث هبطت الطائرة اضطرارا، في مطار أومسك. وتلقى إسعافات فورية، ودخل في غيبوبة، ثم نقل بطائرة طبية خاصة إلى أحد المشافي العسكرية في برلين، استجابة لنداء وجهته عقيلته إلى الرئيس بوتين، بعد يومين من حادث التسمم.
من مشفاه البرليني، واصل نافالني، نشاطه الدعائي الموجه ضد السلطات الروسية، متهما جهاز الأمن الفدرالي، بتشكيل فريق؛ من عشرة أشخاص، اقتفوا أثره لعدة سنوات، وتمكنوا في آب / أغسطس، من دس السم بملابسه الداخلية في مدينة تومسك.
ومع تأكيد المعارض نافالني بجدية عودته إلى موسكو لم يكن من الطبيعي بان يعود المعارض الروسي وتمر عودته مرور الكرام، وهذه العودة أحرجت الكرملين وباتت مربكة ولم تعرف ماذا ستفعل أن تترك نافالني حرا طليقا يحدخل إلى موسكو أو يتم اعتقاله.
وبحسب كثير من المقربين من السلطة ان إصرار نافالني على العودة يدل على أنه رجل شجاع جدا ومبدئي.
الإصرار الروسي على الاعتقال:
لكن الموضوع لماذا هذه الإجراءات المفضوحة التي يقوم بها الكرملين ضد نافالني إن لم يكن مصدر قلق له. . . . ماذا تعني هذه التصرفات ومنع استقبال الناس للمعارض الذي وصل إلى بلده بعد حادثة تسمم. ويتم اعتقاله فور وصوله مع العديد من انصاره .
بالحقيقة قرار العودة موقف شجاع ومبدئي، وهو يراهن أيضا على دعم أوروبي وضغوط شعبية كبيرة لمنع اعتقاله من الداخل من خلال استنهاض الجمهور المنزعج من نظام بوتين. فالتراكم الشعبي مهم في عملية التأييد لضرب الفساد والمافيات المسيطرة على مفاصل الدولة لقد بدأ عملا قويا بموضوع فضح الفساد مما أزعج أطرافا كثيرة في محيط بوتين ومراكز القوى
إذن العودة موقف شجاع يدل على أنه إنسان مناضل ومبدئي تتفق معه أو تعارضه لكنه أربك السلطة التي حاولت قتله بهذه العملية الفاشلة واليوم النظام أمام خيارين باعتقال نافالني اما أن يكون خميني جديد تسقط السلطة الحالية امامه فورا ، أو أما يكون نانسون منديلا يسقط النظام غدا او بعده …والسلطة تعرف ما مدى الأزمة التي وضعها بها عودة نافالني. . .
ربما كان قرار نافالني متعجلا لكنه أثبت أنه مبدئي، ومؤكد أن قراره العودة أحرج السلطات.
بالوقت الذي يعلو صوت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروف التي تقول بأن بعضا من أنصار ترامب يخشون الملاحقات “الاضطهاد” بسبب لآرائهم السياسية. وكثيرين من الأمريكان يتوجهون إليها حول كيفية الحصول على الجنسية الروسية.أي بمعنى أنها تقول ان أنصار ترامب يريدون الحصول على الجنسية الروسية لحمايتهم من الاضطهاد في الولايات المتحدة.
إذن السؤال المطروح هل لا شيء يخيف السلطات الروسية من المعارضة، فالأمر أصبح غير طبيعي ومقلق لأن السلطة يجب أن تأخذ كل شي على محمل الجد وان لا تدفع المواطنين للاعتراض من تصرفاتها غير المدروسة، ، لكن الأهم ان أي رجل يجب أن يبقى بالحكم لأنه يتمتع بتأييد شعبي كبير أو على الاقل أكثر من نص شعبه وليس لأنه قوي كما في حال بوتين مثلا أو لأنه مدعوم من أطراف خارجية أو لا بديل عنه كما في حال معظم دكتاتوريات العرب العالم.
المعارضة الشريفة بنظر البعض في عالمنا العربي هي السكوت والسماح لما يحصل من قتل ونهب للدول كما سوريا والعراق ولبنان وتخرج الناس للشوارع وتقول عاش الرئيس الذي سلب الدولة مع عصاباته ، وبالتالي أي اعتراض على الممارسات المافيوية هو مؤامرة خارجية. فالوطنية بنظر المرضاء ذات العقل المرتبط بتقديس رائحة الرئيس هو السكوت وكان الرئيس هو الخالق الواحد للدولة وليس موظف يتم تقاضي الأموال بناءا على وظيفته ومهمة الناس محاسبته على أخطاءه. . .
فور اعتقال المعارض في المطار قررت السلطات الروسية حبس نافالني 30 يوما، وذلك فور عودته إلى موسكو للمرة الأولى بعد تسميمه العام الماضي.
وقالت النيابة إن نافالني انتهك قواعد إخلاء السبيل المشروط، الذي تلقّاه في قضية اختلاس يقول نافالني إنها مسيّسة.
ونُظّمت محاكمة هزلية له بتاريخ 18 يناير الحالي بقسم للشرطة في ضاحية ب موسكو. وقرّر القاضي حبس نافالني حتى ال 15 من فبراير/شباط لانتهاكه قواعد إخلاء السبيل المشروط. وأعلنا محامي المعتقل فاديم كوبزيف بتصريح له أن ألكسي وضع بالحجز وسيطلق صراحة في 15 شباط القادم ومن جهته دعا المعارض الروسي البارز ألكسي نافالني إلى الخروج في مظاهرات واسعة في شوارع موسكو، وذلك رَدًّا على قرار بحبسه 30 يوما.
– واضح في ارتباك داخل السلطة الروسية لجهة التعامل مع قضية نافالني وكان من الأفضل عدم اعتقاله لكن أعتقد أن أطرافا في السلطة دفعت باتجاه اعتقاله وحتى الإجراءات في فنوكوفو كان مبالغا فيها. الجو غير ملائم للاحتجاجات بروسيا ولكن المزاج على مواقع المعارضة كان لافتا بالنسبة إلى اليوم خلال ست ساعات نتابع على ثلاث محطاتروسية تبث مباشرة من المطار.
– اعتقد أنه صعب حدا يهدد سلطة بوتين ولكن أكيد هناك أثر تراكمي إذا استطاع نافالني تجميع المعارضين قبل انتخابات سبتمبر القادم لمجلس الدوما المهمة والتي ستحدد البرلمان المسؤول عن نقل السلطة إلى بوتين ذاته في 2024 أو لخليفة يحدده، ولا ننسى أنه المطلوب أيضا غالبية مريحة لبوتين.
– أعتقد أن المزاج الاحتجاجي في روسيا وظروف كورونا غير مناسبة لحركة احتجاجات واسعة، ولكن متابعة ما بين 500 ألف ومليون شخص البث المباشر لثلاثة مواقع للمعارضة على يوتيوب هو عدد لا يستهان به لمن يتابعون باهتمام مصير نافالني، وهتافات ضد الشرطة والقوات الخاصة قبل دقائق من هبوط الطائرة التي تقل المعارض إلى موسكو. . .
حيث اعتقلت لسلطات 53 شخصا في مطار فنوكوفو من مئات انتظروه، وثم بدلت الطائرة المطار إلى شرميتوفو 3، وكانوا بانتظاره في كل المدن الروسية حيث بلغ عددهم حوالي عشرة ملايين روسي بظل ارتفاع درجة الحرارة التي وصلت إلى خمس وعشرون تحت الصفر وانتشر وباء كورونا.
مرة أخرى يثبت نافالني أنه قادر على تحريك الشارع، خاصة أن العشرات انتقلوا إلى المطار الآخر رغم قطع الحركة من فنوكوفو.
– اعتقد روسيا ونظامها أمام خيارات صعبة سنجد تفسيراتها في انتخابات الخريف الذي سيفقد بوتين سيطرته على الدوما.
– أعتقد أن توقيف ألكسي نافالني في مطار شرميتوفو خطأ كبير. فالسياسي الليبرالي وضع السلطات في موقف محرج وخيارات صعبة، واعتقاله أو توقيفه لفترة قصيرة يعد نصرا لنافالني.
-أعتقد بأن الأوروبيين لم يدفعوه لاتخاذ هذه الخطوة أبدا. . . أوروبا لها مصالح مع روسيا بغض النظر عن من يكون في الحكم. ونافالني جانب صغير في الخلافات بين روسيا والغرب. وبالمناسبة أنا متأكد أن هناك أطرافا في داخل روسيا تعمل لاستمرار العقوبات وتشديدها لأنها مستفيدة، وغير معنية بعلاقات جيدة مع الغرب لأنها ستخسر ماديا.
اذن الإرباك سيد الموقف ونافالني دق الإسفين بعرش هذا النظام شاء من شاء وأبى من أبى والانتخابات القادمة سيظهر حجم الاعتراض الشعبي على نظام المافيا. . .
وبوتين حصل على قانون يضمن له ولمدفيديف عدم التعرض لهما أو ملاحقتهما. .
ومع اعتقال نافالني ووضعه في السجن لمدة 30يوما قابلة للتجديد أي بمعنى قد يجدد له ويبقى في السجن وقد يتم قتله وتعلن السلطات بان نافالني قد أصبته حالة مرضية بسبب فيروس كورونا المنتشر ويتم التستر على موته لكن القضية لن تنتهي.
النظام لم يعد يستطيع إخماد صوت الناس التي باتت تنظر إلى السلطة على كونها مافيا واضحة وربما يعود الأساس بذلك النظرة إلى تحقيقات نافالني الكثيرة التي أعلنها بمحطته على قناة اليوتيوب التي تتحدث عن حجم الفساد المتفشي داخل السلطة والمقربين من الكرملين مما يعني بان مزاج الناس سيصب لصالح فريق نافالني بحال استطاع النظام إخماد صوته.
رابط مختصر.. https://arabsaustralia.com/?p=13931