مجلة عرب أستراليا سيدني- روسيا تقضم الدونباس تلافياً للحرب
بقلم الدكتور خالد ممدوح العزي
الغرب متفق على فرض حزمة رفيعة من العقوبات ضد روسيا في حال أقدمت على غزو أوكرانيا، ستشمل فصلها عن نظام «سويفت»، ما سيؤدي إلى عزل روسيا عن الأسواق المالية العالمية وحرمانها من الوصول إلى التكنولوجيا المتطورة ومواجهتها هروب رأس المال والضغط المتزايد على عملتها وزيادة التضخم وارتفاع تكاليف الاقتراض والانكماش الاقتصادي وتآكل الإمكانات الإنتاجية.
ويعتقد أن الغزو سيكون «هزيمة استراتيجية لروسيا» فيما تتهم الولايات المتحدة روسيا بالتخطيط لغزو أوكرانيا، لكن موسكو تنفي ذلك وتحاول عدم الاكتراث للعقوبات كونها تستطيع تخطيها بالرغم من وجعها الذي تعاني منه. وترى موسكو أن الهروب نحو الصين لتأمين كلّ مستلزماتها والالتفاف على العقوبات الدولية مخرجاً طالما أن الصين بحاجة للنفط والغاز الروسيَيْن.
لقد أصبح معلوماً أن موسكو تشن حرباً إعلامية نفسية ضد كييف وتحاول إرباك خطوات القادة الدوليين لجهة المناورات التي باتت تمارسها عبر إطلاق بيانات تفيد بأنها بدأت ترحيل جنودها بعد التدريبات في الوقت الذي لم يرصد خروج هذه القوات بل بالعكس استقدمت قوات ومعدات جديدة، التي أدّت إلى تفجير عسكري محدود.
ما يحدث الآن في الدونباس هو تصعيد روسي من نوع مختلف وسيناريو جديد لرفع وتيرة الأعمال والاستفزازات العسكرية، لكن لن تصل إلى مرحلة حرب في الفترة الحالية أو احتلال أراض، والهدف من ذلك زيادة الضغط على القيادة الأوكرانية والناتو للإستجابة للمطالب الروسية، بالرغم من تحذير رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون في خطابه خلال مؤتمر ميونخ للأمن من أن صدمة أي غزو روسي لأوكرانيا سوف «يتردّد صداها في أنحاء العالم كافة»، ومن أن بوتين سوف يدفع «ثمناً باهظاً» لهذا الغزو.
توجه جونسون إلى زعماء العالم قائلاً إنه «يجب علينا أن نكون صادقين بلا تردّد» في شأن الوضع في أوكرانيا و»يجب ألّا نقلّل من خطورة هذه اللحظة». لكن بوتين عمل على خلط الأوراق مجدّداً باعترافه بجمهوريتي الدونباس، لوغانسك ودونيتسك، وبالتالي خروجه من اتفاقية مينسك التي أبرمت العام 2015 برعاية الرباعية. ونعى بذلك كل الجهود الديبلوماسية طوال الأشهر الثلاثة وأقفل باب الحوار.
لقد تصرف بوتين باعترافه بالجمهوريّتين انطلاقاً من أهمية السيطرة على هذا الموقع الإستراتيجي الذي تحوّل إلى لعنة، آخر فصولها ما يجري اليوم من صراع محتدم بين مخططات روسيا لإعادة رسم خريطة جيوسياسية تفرض من خلالها هيمنتها على فضاء الاتحاد السوفياتي السابق، وإلحاق أوكرانيا بسيطرتها عليها تحت شعار «فضاء تاريخي وروحي واحد» و»شعب واحد»، وبين سعي الغرب إلى توظيف الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا في احتواء روسيا وتطويقها، منعاً لتهديد أمن أوروبا واستقرارها، بحسب الإدعاءات الأميركية والأطلسية.
فهل وافقت أوروبا والولايات المتحدة على مخطط بوتين بانتزاع الإقليمين وإعلان استقلالهما عنوة ومن دون مسوغات قانونية والقبول بالإحتلال من أجل حل فتيل نزاع الأزمة الأوكرانية وإبعاد شبح الحرب أم أن الأمور ستتعقد أكثر في العلاقة مع الغرب؟ ماذا لو كانت قد عقدت صفقة بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا تشبه الصفقة التي حصلت حول كوبا، حيث ظهرت بإخراج الصواريخ منها بالتزامن مع سحبها من تركيا، لكن مضمونها كان كلمة كيندي بأننا سنغرق كوبا، واليوم بوتين يستخدم جملة كيندي بأنّنا سندمّر أوكرانيا؟
الموقف بات مرهوناً بالولايات المتحدة في شأن ما إذا كانت ستقبل بابتزاز بوتين أم أنّها ستسير بتنفيذ «ضربة» في داخل روسيا، بعدما اشتمّت رائحة في الداخل تُفيد بأن الجنرالات لم يؤيّدوا توجهات بوتين بالحرب في ظل تململ واعتراض روسي وعدم موافقة صينية على الغزو… لذا فإن التوجهات المقبلة ستكون نحو الداخل.
الجدير بالقول إن المواقف العالمية في التعامل مع الملف الأوكراني انقسمت إلى ثلاث جبهات بالتعاطي مع روسيا والتي بلورتها المواقف الأوروبية الصادقة التي تمارس ديبلوماسية مكوكية تجاه موسكو من خلال نصائح صادقة قدمت لها لتلافي الحرب والوقوع في الفخ كون المصالح الاقتصادية بينهم أكبر وأعمق من الانجرار إلى حمام دم بين الطرفين والجميع يعرف آثارها السلبية السابقة.
أما الحلف الثلاثي «البريطاني – البولندي – الأوكراني» الذي يحاول استباق الأحداث بفرض عقوبات مسبقة ضد موسكو، فهو يلتقي في عدائه التاريخي لروسيا ويتخوف من تدوير الزوايا، بحيث تُقدم أوكرانيا للروس على طبق من فضة.
لكن الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الشرقية تريد دفع روسيا للتدخل عسكرياً في مستنقع الوحل الأوكراني لكي تدفع ثمناً باهظاً نتيجة هذه الخطوة غير المدروسة، ما يدفع واشنطن إلى توريط موسكو لسنين طويلة في هذه الحرب القذرة ذات الكلفة الاقتصادية والبشرية والسياسية العالية بالنسبة إلى روسيا، خصوصاً أنها غير قادرة على دفع هذه الفاتورة.
واستناداً إلى مجموعة معطيات تُشير إلى أن الموقف الغربي سيكون صلباً وجاداً هذه المرّة بعد الاعتراف الروسي بالجمهوريّتين وفشل الديبلوماسية والخروج من اتفاقية مينسك، فإنّ عقوبات قاسية ستُعتمد من دون دراسة أثرها على شركاء روسيا في الغرب والشرق، والتي تعتقد أوساط متابعة أنها ستُجبر موسكو على التفكير الجاد قبل القيام بأية «حماقة»، وفق التوصيف الغربي.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=22129