مجلة عرب أستراليا سيدني- المرتزقة الروسية “فاغنر” جيش بوتين السرّي بقلم الدكتور خالد العزي
فرض الاتحاد الأوروبي بتاريخ 13/12/2021 عقوبات على شركة “فاغنر” العسكرية والعديد من الأشخاص الذين يُزعم أنهم مرتبطون بها ومع الكيانات الاقتصادية بتهمة انتهاكات لحقوق الإنسان في أفريقيا وأوكرانيا وسوريا وفنزويلا. حيث هدد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي موسكو بفرض قيود إضافية صارمة في حال قررت السلطات الروسية السير بعدوانها على أوكرانيا.
نجح الاتحاد الأوروبي مجتمعاً باتخاذ تدابير تقييدية ضد “فاغنر” لأنشطتها في سوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق وأوكرانيا وليبيا ودول أخرى، كون الشركة انتهكت حقوق الإنسان “بطريقة جادة” أثناء الأعمال الحربية التي طالت المدنيين العزل في هذه البلدان.
لقد وضعت مجموعات المرتزقة “فاغنر” تحت الأضواء الأوروبية والعالمية نتيجة توسعها المستمر في عدة اتجاهات دولية مختلفة، حيث باتت مصدر قلق للجميع خاصة بعد توسع هذه المجموعات في مناطق مختلفة من العالم. روسيا حاولت التنكر لوجود الشبكة حيث تشير كل المصادر بان مجموعات “فاغنر” هي جيش الرئيس فلاديمير بوتين السري.
ومن بين المستهدفين في العقوبات ضابط المخابرات العسكرية الروسية السابق ديمتري أوتكين كونه مؤسس مجموعة فاغنر ومسؤولاً عن تنسيق وتخطيط عمليات نشر مرتزقة مجموعة “فاغنر” في أوكرانيا.
– ألكسندر كوزنتسوف (يُزعم أنه يشرف على التوجيه الليبي)، وأندريه تروشيف (يُزعم أنه يدعم السلطات السورية وهو أحد مؤسسي المجموعة)، وأندريه بوغاتوف (يُزعم أنه يدرب الجيش السوري).
لقد أصبح قادة المرتزقة مشهورين منذ عام 2017، عندما التقطت صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين معهم خلال حفل استقبال في الكرملين نُشرت على شبكة فكونتاكتي الاجتماعية. ومن ثم أكد السكرتير الصحافي ديمتري بيسكوف صحة الصورة، لكنه أشار إلى أن بوتين التقط الكثير من الصور في ذلك اليوم مع المشاركين في حفل الاستقبال.
– ظهرت الشركات العسكرية الروسية المتورطة في سياق التدخلات العسكرية لموسكو، في أوكرانيا ابتداءً من عام 2014، ثمّ في سوريا ابتداء من عام 2015، وفي الآونة الأخيرة ظهرت في ليبيا وفي كثير من البلدان الأفريقية جنوب الصحراء. تتركّز الأنظار بصفة خاصة على مجموعة “فاغنر” الغامضة التي يقودها يفغيني بريغوجين “طباخ الكرملين”، رجل الأعمال المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين.
– بريغوجين الذي حقق ثروته في التسعينات من وجبات الطعام السريعة، رجل أعمال مقرب من النظام، تنظّم شركاته، على وجه الخصوص، المآدب والمناسبات للرئاسة الروسية. وقد وُضع على قائمة العقوبات الأميركية، إذ تتهمه واشنطن بالمشاركة عبر العديد من شركاته في مناورات للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، بقصد التأثير فيها. إنّ أغلب العاملين المجندين من طرف هذا الهيكل تمّ تكوينهم وتدريبهم في قاعدة عسكرية مقرها في مولكينو (جنوب غرب روسيا)، في منطقة كراسنودار، التابعة للواء العاشر للمديرية العامة للأمن العسكري الروسي، وأظهرت التحقيقات أنّ معداتهم أُخذت من فائض الجيش الروسي.
– تقوم “فاغنر” بتنفيذ المهمات على الأرض، بعضها بشكل علني، مثل حماية المنشآت الاقتصادية والشخصيات العامة، أو شبه علني مثل التدريب، وبعضها الآخر غير معلن، وهو الأخطر، بالمشاركة في النزاعات الداخلية والحروب الأهلية، مقابل التوقيع على اتفاقيات اقتصادية تحت ستار شركات استثمار وهمية.
اذاً، يصعب التفريق في التداخل بين مجموعة “فاغنر” والقوات المسلحة الروسية كونها أكبر بكثير من تلك القائمة مع الشركات العسكرية الخاصة التقليدية، حيث يوجد في صفوف هذه الأخيرة العديد من الجنود الروس المتقاعدين الذين يتمتعون بكفاءات عملياتية، اكتسبوها خلال مختلف العمليات المسلحة التي قامت بها موسكو في أفغانستان وطاجكستان وشمال القوقاز، والشيشان.
– اذا طرحنا السؤال ما اهمية استخدام المرتزقة للدولة الروسية فان الجواب على الأرجح أن نشاط هذه المجموعة يندرج في إطار خدمة أجندة النزعة القيصرية للرئيس فلاديمير بوتين عبر “طباخه” يفغيني بريغوجين، إذ لا يمكن أن تقوم “فاغنر” وممولها بأي تصرف من دون ضوء أخضر وغطاء من أعلى المستويات في موسكو.
– كسر الرئيس الروسي في 20 يونيو/حزيران 2019، التعتيم الرسمي عن عمل مرتزقة “فاغنر” في سوريا، لكنه حصر عملها في المجال الاقتصادي (حماية المنشآت)، ونفى ارتباطها بالدولة الروسية، أو مشاركتها في الأعمال القتالية إلى جانب القوات الروسية وجيش النظام والميليشيات الإيرانية.
– بالمناسبة تدور نقاشات في الأروقة السياسية والعسكرية والتشريعية الروسية منذ سنوات حول إمكانية إضفاء طابع قانوني على عمل الشركات العسكرية الخاصة، التي تحتضن في طياتها مجموعات المرتزقة، ويقدر عددها بنحو 20 مجموعة (شركة)، أشهرها “فاغنر”. والتي تساعد في حجم مهماتها وانتشارها الجغرافي الذي ترسمه موسكو، وفق المكاسب الاقتصادية العالية.
من هنا فان الموقف الأوروبي، الذي تقوده فرنسا في الاتحاد الأوروبي، أبعد من مجرد ردة فعل على سعي عسكر مالي للتعاقد مع 1000 من مرتزقة “فاغنر، بل ترى بان التدخل يأتي من باب زعزعة الأمن والاستقرار الافريقي نتيجة تجربة المرتزقة في العديد من الدول.
كون روسيا تعتبر بان الوصول الى مالي والتعاون مع جيشها سيحقق لها تواجداً رسمياً من خلال الحكومة العسكرية الانقلابية بدعوة الخبراء والمدربين، وفور وصولهم سيكون التواجد الروسي أمراً واقعاً في مالي والذي بات مطلباً شعبياً وتحدياً واضحاً للتواجد الفرنسي.
-ان التمدد الروسي المتسارع في القارة الأفريقية بات يثير مخاوف دول الاتحاد الأوروبي، والغرب عموماً، ليس فقط لجهة زيادة نفوذ روسيا عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، بل لأن التكتيكات التي تتبعها موسكو لتحقيق أهدافها تنطلق من الانخراط في الصراعات الداخلية للعديد من الدول الأفريقية، تارة تحت مسمى اتفاقيات ثنائية للتعاون العسكري في مجالات التسليح والتدريب، وتارة بتأمين مظلة لتعاقد بعض الحكومات مع شركات أمنية روسية خاصة، “فاغنر” تحديداً.
– لقد بات موقف روسيا معروفاً من انتشار مرتزقتها في العالم والذي ينسحب على وجود “فاغنر” في دول أفريقية “مثل ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وزيمبابوي ومدغشقر وأنغولا وغينيا والسودان”، وعدد آخر من الدول. تبقى مواقف موسكو مبهمة في التعاطي مع أعمال هذه العصابة تحاول تشريعها واعطاءها الغطاء الديبلوماسي الذي اعلن عنه الوزير لافروف من منبر الأمم المتحدة بالرغم من حظر القانون الروسي لإنشاء شركات أمنية خاصة، لكن هذا التوجه قد يغير قواعد اللعبة عن طريقة استخدامها للمرتزقة، بحيث يكون اللعب على المكشوف، ومن دون ضوابط.
لذلك تعتمد موسكو على “فاغنر” كرأس حربة لتوسيع نفوذها في الكثير من الدول، للحيلولة دون تحمل مسؤولية مباشرة، أو التزامات، تجاه ما تقوم به “فاغنر” من أعمال، تؤدي إلى تفاقم الأوضاع وارتفاع منسوب الصراع إلى درجة تهدد بانفجار الأوضاع خارج نطاق السيطرة. ويقوض تدخل “فاغنر” جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في وضع حدّ للصراعات ومعالجة أسبابها، من خلال المساعدة على توفير بيئة آمنة وإعادة بناء النظام السياسي على أسس ديموقراطية وتمثيل عادل، ووضع البلاد على سكة التنمية المستدامة، وإعمار ما دمرته الحروب الأهلية والصراعات.
– اذا حاولنا عرض الحالتين السورية والليبية لم يكن لتدخل مرتزقة “فاغنر” تأثيراً حاسماً على موازين القوى، ما اضطر موسكو للتدخل العسكري مباشرة بعكس التدخل في جمهورية أفريقيا الوسطى.
– قد يؤسس الموقف الأوروبي من نشر مرتزقة “فاغنر” في مالي بداية صحوة تستشعر مخاطر النهج الروسي، فإذا تم تطوير مواقفهم مجتمعة، وربطها بإجراءات تنفيذية عملية لكبح جموح موسكو ستكون خطوات فعالة ذات تأثير. مع الأخذ بعين الاعتبار، أن استخدام روسيا للمرتزقة كرأس حربة لا يؤرق الأوروبيين فقط، بل يؤرق أيضاً الصين التي لها شبكة مصالح اقتصادية وسياسية كبيرة وواسعة في القارة الأفريقية.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=20882