مجلة عرب أستراليا سيدني- أوكرانيا في قلب الصراع بين موسكو والغرب بقلم الدكتور خالد ممدوح العزي
يشكل التحدّي الروسي ضد أوروبا حالة جديدة لم تعرفها المنطقة قبل الحرب العالمية الثانية، حيث تريد موسكو العودة إلى ما قبل العام 1991 الأمر الذي يشكل التهديد الأقصى لإدارة جو بايدن، ولتوجه أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى حلف الناتو مؤخراً، بالرغم من إعلان الحلف بعدم جهوزية الدولتين للانضمام بسبب المشاكل الداخلية والخارجية.
لقد جن جنون روسيا التي تعتبر بأن وصول الناتو إلى حدودها خرق فعلي للمعاهدة التي أبرمتها سابقاً مع الناتو، وتريد العودة إليها لمنع قبول أوكرانيا في الحلف دون تقديم أي تنازلات للجانب الأوروبي ولا لأوكرانيا التي خسرتها مرتين: المرة الأولى حين احتلت جزيرة القرم ضاربة المعاهدات المبرمة عرض الحائط، والمرة الثانية عند تملّص روسيا من اتفاقات النورماندي بشأن حل الأزمة في جمهورية نوفا روسيا في الدونباس.
لقد خسرت روسيا أوكرانيا عندما رفعت السلاح بوجه الشعب الأوكراني الحليف الدائم لروسيا القيصرية منذ بناء الدولة القيصرية حيث كانت العاصمة تعرف باسم “كيفسك روس” فترة اعتناق المسيحية الأرثوذكسية. عندها انتهت آمال روسيا بتكوّن اتحاد أوراسيا بوجه الاتحاد الأوروبي، وبخروج أوكرانيا منه لقد خرج العقل المدبر وتم الإبقاء على العضلات.
لكن بعد انعقاد القمة الروسية الأميركية عبر الفيديو كونفرنس بين الرئيسين بوتين وبايدن احتلت أوكرانيا حيزاً كبيراً في المناقشات التي سبقتها تهديدات قاسية من الجانب الأميركي لروسيا في حال قيامها بأي اعتداء ضد أوكرانيا بفرض عقوبات عليها لم تعرف مثلها من قبل.
لكن روسيا سارعت عبر نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف، إلى الدعوة إلى بدء محادثات سريعة مع أوروبا، ولكن بعد أن أرسلت روسيا مادتين للنقاش بشأنهما مع الغرب حول شروطها من أجل إزالة حالة التصعيد في أوكرانيا، والتي تعتمد على إزالة كافة البنى التحتية العسكرية لدول الناتو من أوروبا الشرقية بعد عام 1997، خصوصاً أن هذه المطالب تعرفها روسيا بأنها مستحيلة بالنسبة للغرب وأميركا، لان الغرب يعتبر بان هذا الطرح يشكل ذرائع وحجج لبوتين من أجل غزو أوكرانيا وفتح اشتباك مسلح مع أوروبا.
إذن مشكلة أوكرانيا بالنسبة للدول الأوروبية هي مشكلة امن قومي للقارة وليس قضية اقتصادية، ما يفرض على الدول الأوروبية انتهاج سياسة واضحة للتصدي لروسيا بشكل مباشر من خلال الحوار وتوحيد المواقف الأوروبية بشكل واضح، وبالتالي يضع الولايات المتحدة والإدارة الجديدة أمام مأزق في التعامل مع هذا التهديد من خلال رفع البطاقة الحمراء بوجه موسكو أو السكوت والمساومة على الأمن الأوروبي في تحقيق صفقة معينة على حساب أوكرانيا والأمن الأوروبي.
بدوره، أعلن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل أن مفهوم الأمن في الاتحاد الأوروبي جاهز أخيراً. حيث تتضمن “البوصلة الإستراتيجية” (كما تسمى هذه الوثيقة) إجراءات لاحتواء روسيا من قبل القوات الأوروبية، وليس الناتو بشكل عام.
لقد دعا قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمة في بروكسل في 17 من الشهر الحالي إلى استئناف المفاوضات مع روسيا لتخفيف التوتّرات بينها وبين أوكرانيا، على الرّغم من أنّ بوتين لا يريد أن يتعامل سوى مع الولايات المتّحدة في كل ما يخصّ القضايا الأمنية على حدود بلاده الشرقية.
يأتي رد الفعل الأوروبي على استخدام المهاجرين كـ”سلاح هجين” (هذه هي الطريقة التي ينظر بها الاتحاد الأوروبي إلى أزمة الهجرة على الحدود البولندية – البيلاروسية)، والى التدابير الصارمة لتقييد روسيا في حال سيُترك الاتحاد الأوروبي بمفرده بالمواجهة معها، بلا دعم الولايات المتحدة.
إن “البوصلة الإستراتيجية” الأوروبية، المكملة مع الأخذ في الاعتبار الأحداث على الحدود البيلاروسية البولندية والأوكرانية الروسية، سيتم تقديمها في بداية العام 2022 في اجتماع غير رسمي لوزراء الخارجية ووزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي. وستتم الموافقة على المفهوم أخيراً، كما هو مخطط، في مجلس الاتحاد الأوروبي في الشهر الثالث من العام 2022.
لا بد من القول بان هناك أوراقا كثيرة من الناتو وأوروبا للوقوف بوجه روسيا والتي تفشل أوهام بوتين بدق اسفين في قلب الوحدة الأوروبية منها:
- فرض عقوبات تبدأ على خط غاز نورد ستريم 2 الذي يعتبر شريان الحياة لروسيا وشركة غازبروم المملوكة من قبل الدولة، وبوتين شخصياً، والتي يمكنها إفشال الضغط على دول أوروبا الشرقية.
- إخراج روسيا من النظام المالي سويفت الذي سينعكس سلباً على الداخل الروسي بل العقوبات الجديدة التي فرضت على موسكو وآخرها على الشركات العسكرية للمرتزقة.
- فرض حظر على استخدام الأجواء الأوروبية أمام طيران أيروفلوت الروسية وأخواتها ومنعها من استخدام المدار الأوروبي والعالمي، ما يعكس عزلة فعلية للدولة الروسية.
- الذهاب أكثر نحو تعزيز الدور الأوكراني وتزويد أوكرانيا بسلاح متطور ومسيّرات وخبراء عسكريين ولوجستيات من اجل رفع مستوى العمل التقني للجيش الأوكراني.
- وصولاً إلى قبول أوكرانيا وجورجيا في الناتو سريعاً ضد الخطر الذي يهددهما من روسيا من اجل تأمين حماية فعالة لهما.
بوتين يريد فرض أمر واقع من خلال الدخول إلى أوكرانيا واحتلالها واستباحتها كدولة ذات سيادة بظل ضعف الإدارة الأميركية ورئيسها، وخاصة بان بوتين قد تحدى العالم وأميركا باحتلال القرم بسهولة دون أية ردود فعل دولية سوى العقوبات التي فرضت عليه وتعايشت روسيا معها، دون أي إزعاج بالرغم من تصريحات بوتين الكثيرة بأن روسيا تعاني من العقوبات لكنها تعايشت معها.
لذلك فان الدخول إلى أوكرانيا بالنسبة لروسيا هو نقل المعركة إلى الداخل الأوروبي من اجل احتلال أوكرانيا وتكرار تجربة عام 2008 مع جورجيا، وبالتالي تنتهي المساومة على القرم والمناطق الشرقية، بل يصبح الحديث عن الانسحاب من أوكرانيا وضمانة استقلالها وفقاً للشروط الروسية من دون تقديم أي تنازلات.
لذلك تشير وثيقة بوريل أولا إلى خطر المواجهة مع الصين وروسيا التي تحد من تأثير الولايات المتحدة. والخطر الثاني “استراتيجي”، تفرضه “القوى الفاعلة الجديدة، مقروناً بإستراتيجية زعزعة الاستقرار المتكئة إلى الحرب السيبرانية والتضليل المعلوماتي والإعلامي. يضاف إلى ذلك أن الاتحاد يواجه هجمات تستهدف أسس الديمقراطيات الليبرالية التي يتبناها.
إزاء هذا الواقع، تقول وثيقة بوريل إنه يتعين على الاتحاد أن “يتحرك بسرعة وبشكل حاسم في إدارة الأزمات” الناشئة، ما يفترض استباق التهديدات وتعزيز الاستثمار في القدرات التكنولوجية والتعاون مع شركاء الاتحاد. وتقترح تمكين الاتحاد من “نشر سريع للقوات” وفق ما تتيحه نصوصه ومعاهداته.
بالنسبة لروسيا الاتحادية، فإن الشيء الرئيسي هو أن اي مناقشة لـ”البوصلة الإستراتيجية” ستحصل في وقت تجري فيه المباحثات الروسية الأميركية حول الاستقرار الاستراتيجي والأمن، على أساس المقترحات التي طرحها نائب وزير الخارجية للاتحاد الروسي سيرغي ريابكوف.
أن نوايا روسيا النهائية غير واضحة، باستثناء أنها تسعى إلى تهديد وإضعاف أوكرانيا. كتب بوريل في مدونته “يجب أن نأمل في الأفضل وأن نستعد للأسوأ”.
تناول بوريل في رسالته مباشرة موضوع المحادثات الأمنية التي اقترحها الكرملين مع الولايات المتحدة. واعترف رئيس الديبلوماسية الأوروبية بأن روسيا ستحاول استخدام الوضع الحالي “كوسيلة رافعة”، وتحقيق “تغيير في الهيكل الأمني في أوروبا في نهاية المطاف”.
من هنا فان التراجع الأوروبي أمام التهديد الروسي لن ينتهي وبالتالي إن استغلال الضعف الغربي سيفرض معادلة جديدة بفرض روسيا نفسها لاعباً أساسيا في العالم من خلال عودتها إلى الساحة الدولية بقوة غطرستها العسكرية.
لكن الرد الغربي بموقف موحد ضد تصرفات وعنجهية بوتين سيكون له دور أساسي بعدم قدرة روسيا على الذهاب منفردة للمواجهة التي ستضعها بوجه الغرب وأميركا، التي ستستفيد من الموقف الأوروبي للوقوف بوجه روسيا والتي تحمل في جعبتها الكثير من الأوراق التي يمكن أن تشكل تهديدا لروسيا، وربما وضع بند جديد في الميزانية الأميركية للعام 2022 بتعجيل تسليح أوكرانيا بالمروحيات ومنظومات صواريخ جافلين، ورصد مبالغ مالية للدولة الأوكرانية بـ450 مليون دولار التي تطرح الكثير من الإجابات، إلى جانب نشر قوات من الناتو في رومانيا وبلغاريا، ما يعني بان مناقشة اقتراحات روسيا لا يعني التراجع لان التراجع هو هدية لروسيا لا تستحقها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل أن تحركات وحشود روسيا العسكرية ضد أوكرانيا وفي حوض البحر الأسود في حال حصول أي تدافعات عسكرية بسيطة، ستترك انعكاسات على سوريا ستكون ايجابية لصالح المعارضة في حال تم توحيد رؤيتها بدعم عربي وغربي، لاستعادة زمام المبادرة من جديد دون السماح لسطوة التطرف الإسلامي ودفع الملف السوري مجدداً نحو تفعيل اتفاق جنيف؟
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=21013