مجلة عرب أستراليا ـ بقلم ـ الدكتور هيثم أبو عيد ـ المتغيّرات الدولية وسياسة الأحلاف الجديدة وتغيير خرائط جيوسياسية بالعالم يستدعي منّا كلبنانيين أن نتوقف في قراءة تأمليّة لواقعنا وأن نعيد ترتيب سلّم أولوياتنا حول ما يجري في جغرافيتنا .
إنّ هذا البلد الصغير القابع في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة والذي يتأثّر بمجرد هبوب رياح سياسية في منطقة ما سواء أكانت شمالية أو جنوبية شرقية كانت أم غربية والسبب الجوهري لا كما يعزو في أهميته حيث يحلو للبعض أن يتغنّى بمقولة ضعفه في قوته وهذه بطبيعة الحال مقولة ليست بريئة تماماً سيّما إذا تمّت بمرادفة ” سويسرا الشرق ” .
والحقّ يقال أنني والكثيرين لسنوات خلت كنت أتغنّى بهذه المقولة إلا أن أكتشفت في هذا الشرق العظيم بلداناً وأماكن اكثر إبداعاً وجمالاً دون أن ينتقص ذلك من جمال الطبيعة في لبنان والتي دمّرتها الطبقة السياسية وأمعنت فيها فتكاً وتخريباً وتشويهاً ، فسويسرا ذاك البلد الأوروبي والذي حُيّد بالحربين العالميتين الأولى والثانية ، بناءً على على مؤتمر ڤيينا الذي إنعقد في ٢٠ مارس من عام ١٨١٥ ، وتمّ للدول العظمى ما أرادوا وهو إيجاد دولة صغيرة في قلب أوروبا من أجل الإحتفاظ بسرقاتهم ومن أجل تبييض الأموال كما حصل عام ١٩٤٤ حيث جرت أكبر عملية تهريب للأموال وصلت قيمتها الى 1.8 مليون جنيه بريطاني في علاقة إقتصادية أنجلو – سويسرية ، وبنفس الوقت كان الجنرالات الألمان النازيين يهربّون أموالهم المنهوبة من الشعب ويودعونها في المصارف السويسرية ، كما أنّ حكومة الرايخ ساهمت بنقل ذهب مسروق الى سويسرا آنذاك .
وعلى الرغم أنّها دولة محايدة فقد فضلّت البقاء مع علاقة إقتصادية بألمانيا النازية ورفضت التعاون الإقتصادي مع دول المحور لأنها كانت تعتمد على المواد الأولية المستوردة من ألمانيا .
رغم حياديتها ولعبها دور في لقاءات الأعداء والأصدقاء على أراضيها من خلال عقد المؤتمرات وتحويل أراضيها الى معسكرات إعتقال لكلا الطرفين وإنشاء منظمات إنسانية وإغاثية على أرضها ، ألا إن هذا الحياد بقي مخدوشاً بسبب علاقاتها الإقتصادية مع النازية وقد قدَّمت تنازلات سياسية وإقتصادية في سبيل المحافظة على هذا الحياد ، ألا أنّ هذا المبدأ الحيادي لا نستطيع أن نفهمه عندما نرى سويسرا قد فتحت أجواءها وطرقها البرية وسكك الحديد لقوات حلف شمال الأطلسي عام 1995 وذلك بغرض التوجه الى يوغسلافيا السابقة والقوات الأطلسية هي ليست قوات سلام أو أممية بطبيعة الحال ليصار بعد ذلك الى تعزيز التعاون العسكري مع القوات الأطلسية بوحدة عسكرية سويسرية تضّم أكثر من مئتي جندي أرسلت الى كوسوفو عام 1999 .
وبالعودة الى الشأن اللبناني وما يطرحه البعض من أجل سياسة محايدة في الشرق الأوسط ، فإنّ هذا الطرح يكاد يكون أقرب الى الخيال منه الى الواقع ولنقاش هذه الجدلية لا بد من العودة الى التاريخ وحقبة ما قبل الإستقلال وحتى ما قبل الإستعمار الفرنسي والبريطاني حيث شهدنا إستحالة فصل لبنان عن محيطه العربي الشرق أوسطي ، حتى الذين كانوا ينادون بالحيادية ألم يغرقوا البلد بقوات أجنبية وعربية كما حدث في 1958 و 1982 و1975 ،.
إنّ موضوع الحيادية وبالصيغة التي يطرحها البعض هي مثار للعجب فالتداخل الثقافي والجغرافي والإجتماعي بين شعوب المنطقة متجذّر منذ مئات السنين إن لم نقل بالآلاف ، وعلى هذا الأساس فعندما حصلت النكبة الفلسطينية بدا وكأنّ النكبة طالت اللبنانيين أنفسهم ، وعند إعلان الوحدة بين سوريا ومصر ، تحّرك الحسّ القومي لدى فئة كبيرة منهم ، وخير مثال حديث هو الأزمة السورية حيث لم يستطع قسماً كبيراً منهم أن يبقى محايداً على رغم بعض الدعوات لإبعاد البلد عن التجاذبات الإقليمية .
وبالعودة الى مقولة ضعف الدولة هو سرّ قوتها ، فهذا الطرح كان يعتمد على مبدأ الحيادية وإستحصال قانون دولي ملزم من المجتمع الدولي بهذا الشأن ، قد يكون هذا الطرح صحيحاً ومدغدغاً لعواطف البعض ، هذا إن كان على حدودك كيان أو دولة يحترم المواثيق الدولية ويخضع لمقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، لكن بوجود أسرائيل ، الذي لديه مطامع في الأراضي والمياه والثروات البحرية نعني هنا إكتشاف وجود النفط في المياه الإقليمية اللبنانية ، يبدّد هذه الأحلام الوردية ويتطلب أن يكون لدى الدولة جيشاً قويّاً ومجهزّاً للحفاظ على هذه المقدرّات .
هناك العشرات إن لم نقل المئات من القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية التي تدين أسرائيل ، ولكن ولا قرار طُبّق أو عُمل به ، في تحدٍّ صارخ للإرادة الدولية ، فعلى أي أساس تُطرح الحيادية وعلى قاعدة قوّة لبنان في ضعفه ، سيّما العالم يعيش نشوء تكتلات سياسية وعسكرية وأمنية وإقتصادية ، طغت على التكتلات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ، فهل يُراد للبلد أن يكون لقمة سائغة على المائدة الدولية .
قبل أن نختم هذه المقالة لنلقِ نظرة سريعة على ترسانة جيش أسرائيل وعديده ، القوات العاملة 176000 جندي هذا غير الإحتياط ، الميزانية السنوية أكثر من 14 مليار دولار سنوياً ، مصانع أسلحة تعود للجيش الاسرائيلي بالإضافة الى صناعة أسلحة الفضاء ، وإمتلاكها مفاعل ديمومة النووي ، القوات الجوية تضم 652 طائرة مقاتلة من بينها 243 طائرة هجومية ، يمتلك الجيش أكثر من 2620 دبّابة وأكثر من 10 آلاف مدرّعة إضافة الى 650 مدفع ذاتي الحركة وأكثر من 300 مدفع ميداني ، كما توجد 48 منصة إطلاق صواريخ ، ويمتلك الأسطول البحري 65 قطعة بحرية بينها 6 غواصات و 3 كورفيت و32 سفينة للدوريات البحرية ويوجد لدى الكيان 4 موانىء كبرى
.هذه الأرقام مستقاة من موقع Sputnik تحت عنوان تعرّف على قدرات الجيش الإسرائيلي وآخر تحديث كان بتاريخ 10/12/2017 ، فإلى أيّ حدٍّ سيتمسك أصحاب نظرية الحياد والضعف بمقولتهم ؟
الدكتور هيثم أبو عيد