مجلة عرب أستراليا سيدني
الثّقة…كيف نكتسبها أو نفقدها، ولِمَن نُعطيها؟
بقلم الكاتبة روزيت الفار
“الثّقة وقود الحياة ولا شيء يعمل في عالمنا دونها”.
في كتابه “الثّقة” “Trust“ الصّادر بآذار 2023، يقول Henry Cloud وهو الطّبيب النّفسي والمستشار القيادي الأمريكي الّذي ألّف أكثر من 40 كتاباً حقّقت أعلى نسب المبيعات، حسب مجلّة نيويورك تايمز، فقد بيع منها 20 مليون نسخة.
“الثّقة هي الصّخرة الّتي تُؤسّس عليها الحياة بجميع مناحيها وفي كافّة العلاقات؛ من العائلة، العمل، الحب، الصّداقة إلخ…”. فمنذ الولادة يتلقّفنا مقدّمي الرّعاية والوالدان والّذين لا يربطنا بهم سوى “الثّقة”. ثمّ تمتدّ هذه الدّائرة لتشمل بقيّة العائلة والأصدقاء والمجتمعات. وقد أظهرت الدّراسات بأنَّ أصحاب الثّقة العالية يتمتّعون بسعادة ورضى أكبر وبصحّة أفضل إذ يكون لديهم جهاز مناعي أقوى. وحتّى على مستوى الدّول والحكومات فإنّ الثّقة المتبادلة تساهم في عمليّات نموّها وتقدّمها.
يقول كلاود أنّنا خُلقنا وصُمِّمنا بيولوجيًّا وعصبيًّا وعاطفيًّا لكي نثق؛ نظراً لحاجتنا للتّواصل. فلا حياة دون تواصل ولا تواصل ناجح دون ثقة.
وبالرّغم من بساطة شكلها الظّاهري؛ والاعتقاد بقدرة اكتشافها بسهولة؛ غير أنّ الثّقة ليست كذلك؛ وخصوصاً حين يصدمنا الواقع بقصصٍ كنّا فيها مُظلّلين ومنحنا كامل ثقتنا لأشخاص، اكتشفنا بعدها بأنَّها كانت بغير محلِّها وبأَّنّ أولئك الأشخاص لم يكونوا مستحقّين لها، وتركنا ضحايا لغدرهم وخيانتهم. من بينهم الأصدقاء والأزواج وشركاء أو زملاء العمل وغيرهم؛ دون الانتباه لعلامات التّحذير الّتي كان بعضها مخفيّاً والآخر واضحاً لكنّه مرّ أمامنا دون أن نراه نتيجة الثّقة العمياء الّتي وضعناها بهم؛ فبدت الأمور لنا حينها جيّدة من على السّطح وبأنَّ كلَّ شيءٍ كان يسير على ما يرام.
وبالمقابل، نسعى بأحيانٍ أخرى لأجل كسب ثقة مَن حولنا والحفاظ عليها حين نرغب بالتّقرّب منهم أو بإقامة أيّ من العلاقات أو حين تفشل روابط الثّقة في التّشكّل أو تنكسر.
فكيف نؤسّس للثّقة ونبنيها؟
“الثّقة لا تبدأ بإقناع الشّخص بأن يثق بك. بل بِ:
1-حسن الاستماع.
كجزء أساسي من العلاقات البشريّة؛ يبدأ التّأسيس للثّقة بالإصغاء الجيّد للشّخص المقابل ومنحه الفرصة للتّحدّث والكشف عن نفسه وعن ظروفه فما نحتاجه منه لا يمكن أن نأخذه إلّا حينما نشعر بأنّه أصبح معروفاً ومحسوساً به لدينا.
2-التّفهّم.
نثق حين نشعر بأنّ الشّخص الّذي أمامنا يتفهّمنا. فالتّفهّم المسبق يوفّر لك إمكانيّة الإجابة على استفسارات الشّخص لاحقاً، وعن كيفيّة سير حياته. إنّ إظهار صدقك بتقبّل مشاعره والإقرار بها دون إصدار أحكام ومحاولتك إيجاد تجارب مشتركه وذكرها له؛ يساهم في استمالته. فالمرء حين يطمئنّ تتحرّك مشاعره الدّاخليّة ويسهل كسب ثقته.
3-الدّافع.
الثّقة لا تعني فقط معرفة وجهة نظر مَن أمامك؛ بل وضع مصالحه في الاعتبار والاهتمام بها. وعلى النّقيض، ففي حال كان تركيزك على ذاتك وعلى مصالحك وأهدافك؛ فهذا يُبعِده ويفقدك ثقتَه.
4-القدرة والشّخصيّة.
كسب ثقة الشّخص وإنشاء علاقة معه لا يكتملان إلّا إذا أُضيف لهما عامل التّحقّق من قدرته وكفاءته ونيّته الجادّة على تنفيذ أهدافك وحمايتها. كما وأن يتمتّع بسماتٍ شخصيّة ضروريّة لنوعيّة تلك العلاقة ولديه من الذّكاء الاجتماعي ومهارات التّواصل مستويات تكفي لذلك.
5-السّجل السّابق.
إذا رغبت بمعرفة كيف سيتصرّف الشّخص في المستقبل؛ فإنّ سجلّ سلوكه الماضي وظروف نشأته وخلفيّته؛ مرجع للمعلومات والتّوقّعات وتجنّب المفاجآت. هذا لا يعني بالضّرورة أنّ الإنسان لا يتغيّر؛ لكن التّأكّد من التّغيير يحتاج إلى إثبات؛ من خلال الأفعال وهذا بدوره بحاجة لوقت وبدء سجلّ جديد له.
بالطّبع لا يقين مطلق. فقد يخطئ البشر وتحدث الخيانة.
فكيف نعالجها؟
“إن كان بناء الثّقة صعباً، فإعادتها، بالتّأكيد، أصعب”.
البدء بالتّشافي
الخيانة تقوّض إحساسك بالأمن وبالحياة، ويحتاج التّشافي منها وقتاً طويلاً. أعطِ وقتاً ومساحة للألم. وإبحث عن أصدقاء لا زلت تثق بهم. شاركهم حقيقة ما تمرُّ به، فدعمهم ووقوفهم لجانبك مهم.
المسامحة.
المسامحة لا تعني أن الخائن يستحقّها أو أنَّك تبرّر له سلوكه. فالمغفرة صعبة حتّى بعد الإقرار بالذّنب. لكنّها هديّة تقدّمها لنفسك تساهم في جعلك تنهض وتمضي قدماً بالحياة.
التّفكير فيما تريده حقّاً.
هل الانفصال عن الشّخص الّذي آذاك؟ -وهذا مشروع لك بالطّبع-. أم إصلاح الأمور؟
فإذا اخترت الإصلاح وإعادة العلاقة لوضع جيّد لحدّ ما، فعليك التّحقّق من أنَّ ذلك ممكن. الأمر الّذي لا يتمّ إلّا بالمسامحة واعتراف الطّرف الآخر بمسؤوليّته الحقيقيّة عمّا فعل وبتحمّلها دون خلق أعذار وإنكار الأذى الّذي سبّبه. بل عليه أن يتوب ويندم، والأهمّ من ذلك، إثبات التّوقّف عن ذلك.
المراقبة وتتبّع السّلوك والانجازات والتّحقق من صدقها.
لكنّ ذلك يجب ألّا يعني إعادة الثّقة بشكل مطلق، بل عليك الاستمرار في التّقييم وفقاً للعوامل الخمسة الأولى والبحث عن أدلّة تثبت حدوث تحوّل حقيقي في السّلوك.
فمثلاً لا يكفي أن تعرف أن الزّوج المخادع لا يخونك مرّة أخرى. عليه رسم مسار فعليٍّ للتّغيير وإظهار التّحوّل يوماً بعد يوم.
بالنّهاية. لكلٍّ منّا وجهة نظره وطريقة معالجته لحالته الّتي هو أشدّ العارفين بها والأقدر على تقييمها. لكن يمكن للعلاقات أن تتعافى حتّى من الخيانات العميقة إذا قام الطّرفان بالفعل بالإصلاح؛ وقد تصبح العلاقة المتضرّرة أقوى ممّا كانت عليه.
المصدر: لعبة الامم
رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=31333