بقلم دكتور خالد ممدوح العزي
مجلة عرب أستراليا -سيدني-الإعلام بشكل عام لا يضع استراتيجيات بعيدة المدى لتغطية الازمات والمخاطر البشرية والطبيعية لأنه يواكب الحدث ومن هنا نطرح السؤال الذي يرتبط بالعنوان “الكورونا والإعلام”، وما هي العلاقة بينهما طبعا كورونا “كوفيد 19 ” وهي نوع من الانفلونزا المتعددة التي ظهرت على الكرة الارضية كنوع من الفيروسات التي تهاجم الانسان باستمرار ولكن هذا النوع بات يختلف كليا عن الانواع الاخرى بسبب العدوى المباشرة وطريقة العدوى التي لا تزال بعيدة كليا عن التشخيص الطبي والمخبري”.
اذن هي نوع خطير من الفيروسات التي داهمت الكرة الارضية منذ ايلول سبتمبر 2019 ، ولا نزال نعيش بظل هذا الخطر كما عرفته منظمة الصحة العالمية بالجائحة ،،، اي الوباء المنتشر بعد تشخيصها لنوعية هذا الوباء الذي ينتشر بكل العالم ويضرب بقسوة كل الفئات والاعمار والاجناس في كافة دول القارات الخمس.
خطر داهم ينتشر بين البشر ويتنقل بسرعة، من صفاته عزة النفس لا يدخل البيوت الا بعزيمة… لقد سبب كارثة بشرية وازمة حقيقية على الكرة الارضية. تعيش البشرية بخطر حقيقي ومن واحبنا كإعلام عالمي ومحلي واعلاميين ومؤسسات اعلامية ان تدق ناقوس الخطر ورفع الصوت عاليا من خلال المواكبة الميدانية للازمة.
الازمة بحسب د.بلال خلف السكارنة في كتابه ( ادارة الازمات عمان 2015 ص 41)بان “الخطر الحقيقي هو نتيجة الازمة “، أي الازمة التي فرضها الفيروس على الدول كافة (الغنية والفقيرة) الشمالية والجنوبية لكونها اصبحت ازمة مالية ،اقتصادية ،نفسية، بشرية، معنوية ، وفكرية فرضت علينا بسبب هذا الوباء.
فالخطر يعرفه د. شقير نور موسى واخرون في كتاب ادارة المخاطر 2012 عمان ص، 26)،من خلال التعاريف التي تقول بعدم التأكد من المردود بين العوائد الفعلية والعوائد المتوقعة… ايضا التشتت بين النتائج الفعلية والنتائج المتوقعة”، وامام هذا الخطر الذي بتنا نعيش في كنفه لجهة هذا الفيروس لا بد من التوقف امام تعامل الاعلام بكافة وسائله المختلفة مع الجائحة في ظل الهلع البشري من خلال النقل المباشر من الميدان مكان الحدث وكذلك لجهة الاستطلاعات والمقابلات المباشرة والاستضافات للباحثين والمختصين والمصابين وكذلك للتغطية الرسمية من قبل قادة الدول في ادارة الازمة المستجدة.
من هنا يتحدد دور الاعلام في مواكبة الحدث الضخمة وكيفية مواكبته والتعامل مع تفاصيله المستمرة من خلال المشاركة المباشرة في الاحداث ومتابعتها لكون الاعلام شريكا فعليا في الحياة وليس صانعا للحدث ،وانما تكمن مهمته في ابراز الحدث والتنقيب عنه واظهار تفصيله دون تقزيم او تضخيم لان مهمة الاعلام والاعلامي في نقل الحدث لانهما عين الجمهور الثاقبة التي تراقب وتتابع عن كثب.
لان الجمهور يريد المعرفة والاطلاع على التفاصيل والتحاليل من المصدر، من خلال متابعة الحدث والكشف عن تفاصيله ونقله بأمنة وصدق للأخرين دون تحريف او تلاعب من خلال ثوابت تحرير الاخبار الثلاثة (المصداقية ،الموضوعية والمهنية).
فالأعلام يستخدم في نقل الاحداث ومتابعتها كل الوسائل المكتوبة والمرئية والمسموعة والبصرية والالكترونية من اجل خدمة المعلومة. لذلك كان الاعلام غير متمكن من معرفة الاحداث كاملة في الصين حينما اندلعت الاشارة الاولى في الصين فكانت التغطية بحسب المعلومات البسيطة التي كان يحصل عليها ويوكبها ويفسرها ويبثها في تقاريره المصورة من شوارع اوهان.
فالمعلومات كانت ناقصة والصين كانت لا تقدم كافة المعلومات والبيانات الكاملة للعالم بل كانت تتحفظ عليها. فلم نسمع بخلية ازمة ولا بتصريح للدولة او رئيسها او وزير الخارجية او الصحة، ربما كانت سياسة الحزب الشيوعي تقتضي السرية لإخماد الفيروس عندها دون الافصاح عن المعلومات التي يتم فيها معالجة الامور والتي ستكون ورقة تستخدم لاحقا ضد الصين ، فقط اعلنت حالة طوارئ عسكرية.
وكانت القيادة للجنرال العسكري التي تولت قيادة المنطقة التي اعلنت فيها بكين بانها منطقة حكم عسكري وكانت الرتبة العالية للطبيب الذي تولى القيادة وكانت امرأة والنساء دوما ينفذون اوامر صارمة جدا، عكس الرجال الذي يهتمون في تنفيذ القرارات فقط.
طبعا المشكلة لم تقتصر حدودها على الصين وشعبها التي انتقلت مع بداية شهر فبراير شباط الى اوروبا وامريكا بشكل سريع، فعندما كانت الصين تحتفل بانها استطاعت القضاء والانتصار على فيروس “كورونا “، وكانت قنوات العالم تنقل الاحتفالات الميدانية لخروج الاطباء من اوهان وتفكيك المشافي الميدانية كانت الشاشات نفسها تنقل مصائب الموت من ايطاليا واسبانيا.
مما ساهمت هذه المناظر بالهلع العالمي والانقضاض المباشر على الصين وتحديدا الولايات المتحدة التي اتهمت عبر وسائل الاعلام الصين بانها اخفت الحقيقة عن العالم لجهة طريقة معالجة الوباء ونوعية الدواء اضافة لعدم تزويد العالم بمعلومات واضحة حول العدوى الذي يحملها هذا الفيروس وطرق الانتقال للبشر)
من هنا يشكل الاعلام في المجتمعات السلطة الرابعة لجهة النقد و النقل وتسليط الاضواء على الحوادث والازمات لتزويد الجماهير بالمعلومات التي تشكل له نقطة ارتكاز في تشكيل راي عام حول قضية معينة.
بغض النظر عن سياسة المؤسسات الاعلامية التي تحاول بطرق ملتوية وخاصة من فرض توجهاتها الخاصة وبالأصل لن ندخل في نقاش هذه القضية لا نه بات معروفا من يمسك بالمؤسسات الاعلامية وما هو دورها في التأثير على الجماهير خصوصا لجهة التفاعل والتلاعب بالعقول، ويمكن النظر في كتاب هربرتشيللر Herbert Schiller ، ترجمه عبد السلام رضوان “المتلاعبون بالعقول” سلسلة عالم المعرفة عدد 106 الكويت،1990،ص179 ) والتحكم بها كيفما يشاء.
لكن الذي يعنينا من دور الاعلامي والاعلام فهو ارسال رسلة للمتلقي من خلال الإضاءة على الخبر وتفاصيله على الشكل التالي:
1- الرسالة وهي المعلومة التي يلتقطها الاعلام ويريد ارسالها.
2-المتلقي هو الشخص المطلوب ارسال الرسالة له لكي يتلق معلوماتها.
3_الوسيلة هي القناة او المحطة المطلوب من خلالها ارسال الرسالة للمتلقي لكي تشكل حالة تأثير…
4_التأثير الجماهيري وهي القضية التي يتفاعل معها الجمهور من خلال استلامه للمعلومة من المرسل عن طريق الوسيلة والتي تصبح فيما بعد قضية ممتازة في الوسط العام.
ووفقا لذلك نرى بان الاعلام اصبح عنصرا مهما من عناصر مقومات الحياة العصرية في الاستخدام والانتاج ، لأنه بواسطته أصبحنا أمام دور في الثقافة الجديدة ( ثقافة الإعلام المعولم ). والتي تطرح من خلاله مختلف العقائد والأفكار التي توجِّه الجمهور نحو هذا السلوك المعولم.
اذا تصبح هذه الثقافة لها موقعها في القضايا المجتمعية بحيث تحدد فيها المواقف السياسية والاجتماعية والثقافية المتنوعة داخليا وخارجيا .
اذا الجائحة سوف تترك اثارها الواضح على المجتمعات بظل الارتباك الواضح في القيادة، ولكن مهمة الاعلان ليس معالجة الظواهر التي تعالجها مفاهيم علم الاجتماع ومهمتنا كإعلامين متابعة الاحداث الحالية والانية والقاء الضوء عليهابالنسبة لإيطاليا واصابة المجتمع بوباء “كورونا “، التي كانت مأساة حقيقية لجهة الخسائر والاضرار داخل المجتمع مما دفع بالإعلام بالتغطية ومواكبة الحدث فالتغطية الميدانية كانت تبث من شوارع ومستشفيات ايطاليا واللقاءات مع الاطباء والناس من الشوارع التي كانت تطالب المساعدة من خلال صور حية للإحياء والاموات كانت تنقلها القنوات العالمية، صور الاطباء الشهداء الممرضين الممرضات.
لقد تلقينا الصور الحية من ايطاليا وتم نقلها بكل الوسائل كانت الصرخة الاولى والتي كان لإيطاليا الفضل الكبير على المجتمع الدولي في معرفة الوباء.
لقد كان الشعب الإيطالي الجنود الاوائل والفدائيون في مواجهة الوباء مما ساعد العالم كله بالتعرف على كيفية التعامل مع هذه الجائحة المتخفية ، حيث كانت ايطاليا واسبانيا في خط الدفاع الاول بمواجهتهم الوباء في اوروبا وتحملوا الخسائر الكبرى، فكيف لو كانت دولنا لكان العالم خرق في طوفان نوح بسبب الفقر وغياب الاهتمام .
نعم نقل الاعلام كل الصور واستضاف الاطباء والمحللين،تناقلت وسائل الاعلام الاجتماعي الاخبار وتمت توزيعها ونشرها وفتحت الحوارات، لا يمكن بان الإيطالي اخطوا في اكتشاف الوباء لان ايطاليا دولة متقدمة طبيا وعلاجيا وتدرس الطب فيها ومستشفياتها من ارقى المستشفيات وتصنع العديد من الادوية والتقنيات الطبية المميزة ،لكن الصدمة كبيرة والارتباك كان سيد الموقف.
لذلك كان المطلوب سريعا من الناس عبر وسائل الاعلام باتخاذ قرارات حاسمة بالالتزام بالقيود الصحية بظل العديد من المتغيرات الاجتماعية التي حدثة بسبب انتشار الوباء والتي يجب مع السلوك الجديد والتأقلم معه حاليا ومستقبليا .
أي يجب ان يتم ادارة المخاطر في كل الدول الكبرى والصغرى أي التنظيم الفعلي للحياة الاجتماعية والصحية والمالية لمجابهة الخطر من خلال الوسائل المقترحة .
وهنا يمكن دور الاعلام بكل وسائله الذي يعتبر شريكا اجتماعيا وناقدا سياسيا في محاربة المخاطر والازمات الطبيعية والاصطناعية ( د. محمود جادالله ، ادارة الازمات عمان ،2015، ص 57)،ولكي يقوم الاعلام بعمله لا بد من شرح اسباب الازمة الناتجة في العالم وتنوعها ومسبباتها الداخلية والخارجية ، وليس البحث في اصل المشكلة وترك المحاكم دراسة التهم وتحويلها الى القضاة او الى الأماكن المناسبة .اي تسليط الضوء على اهمها واسبابها المختلفة التي ادت الى النشؤ ويجب التشديد على القضايا التالية في المواكبة الاعلامية .
- التصريع بإصدار القرارات او الحكم على الامور قبل تبيان الحقائق تحت الضغط او الخوف او القلق او التوتر.
- سوء التقدير والتقييم لحجم نشؤ للازمة، بالإضافة الى الاخطاء البشرية .
- الادارة العشوائية للازمة وسواء ادراكها ، الياس.
- الإشاعات السائدة واستعراض القوة للأطراف.
- الرغبة في الابتزاز الازمة الغير مخطط لها الخ .
فأمام كل هذه النقاط التي استعرضنها اذا لم يتم استراك اثناء الازمات ستكون للازمة اثارها الدائمة التي ستأخذ البلاد الى ناحية المجهول فاذا حاولنا مقاربة هذه النقاط على خلية الازمة الامريكية اثناء انتشار الجائحة فأننا نرى الازمة وقعت بكل هذه النقاط لكنها استطاعت الخروج منها والوقوف بقوة امام الازمة التي باتت تنحي امام الدولة وقدراتها الجبرة .
وكذلك يمكن استعراض الحالة الالمانية التي كانت سيطرة الجائحة اكبر على اختراقها من ايطاليا لكن القدرات الالمانية والهدوء في التعامل مع الازمة كانت تختلف كليا عن ايطاليا وتعاملها مع الازمة بينما كانت ايطاليا تتضرع لله في عجز واضح في معالجة الازمة بينما كانت المانيا تصور نفسها بانها تعيش حياتها الطبيعية بظل مقاومتها للفيروس حيث سجلت المانيا الدولة الاولى في نسبة الاصابات في اوروبا والاسرع في الاستشفاء والاقل في الموت ، وهذا يعود بفضل الاعلام المواكب لهذه المقاربات ونقل كل الاحداث من الميدان بالصورة والصوت .
من هنا كانت اهمية الاعلام في مواكبة الحدث ونقله بطبيعتها والاضاءة على الايجابيات والسلبيات للمعالجات الدولية و يمكن ان تكون هذه العملية هي خارطة طريق للراي العام في اتخاذ القرارات والتصويب عليها .
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=10185
د.خالد ممدوح العزي
محاضر في كلية الاعلام والاتصال.الجامعة اللبنانية