مجلة عرب أستراليا سيدني- وَبِالوالدَينِ إحسَانَا…. أسرارٌ عميقةٌ لا يَفهَمُهَا جيلُ اليومِ من الأبنَاء!
بقلم: أ.د. عماد وليد شبلاق
رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية في أستراليا ونيوزيلندا
ونائب رئيس المنتدى الثقافي العربي الأسترالي
في أستراليا حيث أُقيِّم، وربَّما في دولٍ أخرى غربيةٍ كانت أم شرقية، أُنصِّتُ إلى عشراتٍ من القصص الدَّامية للقلب متحدِّثة عن قسوة قلوب الأبناء -(أولاد وبنات)- والتَّعامل القاسي للوالدين؛ (الأب والأم) في أيامنا، وما ينتج عن ذلك من مآسي تؤدي إلى انقطاع الرَّحِم، والتَّفكك ضمن الأُسرة الواحدة.
التَّعاليم السَّماوية، والأديان مصدرها واحد تحثُّ على بِرِّ الوالدين {وَقَضَى رَبُّك ألَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إحَسانَا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندكَ الكِبَرَ أحَدُهُمَا أو كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرهُمَا وقُلْ لَهُمَا قَولا ًكَريماً – الإسراء 32}.
ما زالت تؤكد -مراراً وتكراراً- على حُسن المعاملة، وطاعة الوالدين سواءً أكان في الكلام أم بالتّعامل، لاسيما عند كِبرهما وعجزهما عن الاستمرار فيالحياة كما عهداها في شبابهما؛ لكَ أنْ تتخيل ما تمَّ ذكره في الآية الكريمة أعلاه: {ولا تقلْ لهما أفٍّ ولا تَنهَرهُما} سواءً أكنت استخدمت الكلمة ذاتها أفٍ ! أو.. وبعدين .. وآخرتها معاك … يا با بكفي … يا ما / ياماما / يُومَا / يُومْا رحميني … والله اتعبت معاكم…. شو اللّي بيرضيكم)؛ فكلّها من وتيرة التأفف، والامتعاض نفسها تجاه الأب، والأم أو كليهما؛ فحقيقة الأمر أنّني على يقينٍ تام بأنّ جيل اليوم من الأبناء أصبح في عالمٍ آخر بعيداً كلّ البُعد عن الإنسانية،والرَّحمة، بالذّات العرب الذين يعيشون في المهجر، وقد تخلوا عن قِيّمهم، وشِيّمهم حتى عن مبادئهم- إلّا ماندر – فأصبحوا يسعون وراء المال (حلاله وحرامه)، وتناسوا كلَّ شيءٍ عدا ذلك { ورزقكم في السَّماء وما تُوعدون}.
الحصيف، والفطن من الناس لا بدَّ من أن يدرك –سواء أكان متدينٌ، أم ملتزمٌ في أيِّ دينٍ أو مِلّة وعقيدةٍ، أم لا، ومن خلال التّعاليم السّماوية أعلاه- بأنَّ الحياة بمنزلة الدوائر أو بمعنى آخر قوله: “افعل ما تشاء فكما تدين تدان”. إنْ ربيت ابنك على تربية سيئة،والتّعامل القاسي؛سينعكس ذلك عليك عند كبر سنك، والعكس صحيح؛ فالآيات، والصِّحاح، والأحاديث في كلِّ الكتب السّماوية تنصّ على ذلك، ولنأخذ أبسطها {الجنّةُ تحت أقدام الأمُّهات}، و {مَن أحقّ الناس بصحبتي …. أمّك ثم أمّك …. ثمّ أبيك…!}.
في يومنا يجتمع الأبناء سراً وربما علانيةً؛ من أجل مناقشة كيفية التّخلص من أمّهم- الأرملة الحزينة- بعد أن شكلت عليهم عبئاً ثقيلاً (ولا يحتمل برأيهم)؛ فالابن الكبير يوضحُ موقفه بأنّ زوجته، وأمه لا يتفقان على الإطلاق، أما الثّاني فليس عنده غُرفٌ إضافية لاستضافة مَن حملته في بطنها و و …..، والثالث الأصغر فموقفه المالي ضعيف جداً ولا يقدر على مصاريف الحياة فما بالكَ لو أسكن فرداً آخراً وصرف عليه، ونسي أنَّ لحم أكتافه وو ….. من تعب أمّه، وشقائه لحد ما كبر وأصبح رجلاً يافعاً وما كان الحل الأمثل -في رأيهم- إلا البحث عن دار للعجزة أو غرفة لإيواء المُسنين.
لقد تأثرت كثيراً حينما استمعتُ إلى زوجتي تحدّثني عن سيدة تركية مُسلِّمة رأيتها في أحد الأماكن بعد أنْ هجرها أولادها أو أقربائها،فقد نسيت لغتها الأم الأصلية (فلا أحد يزورها أو يكلمها بلغتها)، ولا تجيد اللُّغة الانجليزية بالطّبع؛ لكبر سنها بوصفها مهاجرة، فكانت النّهاية المأساوية.
في المقابل، رِضى الله–الخالق- مِن رضى الوالدين؛ فهذه حقيقةٌ أخبرني إياها كثيرٌ من الأصدقاء، وبعضٌ من المقربين هنا، وهناك فكان أحدهم يُرزق دائماً -الرزق في الصحة والأولاد والمال – ببركة دعاء أمّه، لم يعاني يوماً من العوز أو الضِّيق، فقد أخبرتني-اليوم- إحدى الزَّميلات من سيدني: بأنها تعتذر من الزُّملاء، والزميلات جميعهم؛ لعدم التواصل على (الواتساب وغيره )، وعدم قدرتها على المشاركة في أيّ فعاليات أو نشاطات اجتماعية؛لتفرغها التّام لرعاية أمّها المسّنة، والمريضة نوعاً ما نتيجة؛ الكِبر، والشيخوخة ( شافاها الله، وأمدّها بالصّحة، والعافية ).
ازرَعوا في أولادكم حُبّ آباءكم، وعاملوهم كما يستحقون، وأخاطب العقلاء منكم هنا، ولننظر لأحد التّعاليم السّماوية في تقدير الآباء؛ لعلها ترسخ في عقول بعضكم:
- لا تناديه بِاسمه
- لا تجلس قبله
- لا تمشي أمامه!
ما أعظم الإنسان حينما يتحلّى ببعض الأخلاقيات تجاه والدَّيه، وإنْ عشنا في مجتمع – في يومنا- يعمل على محاربة القيم، والأخلاق، ويُدخلنا إلى الغابة البغضاء مرةً أخرى؛ لنتساوى مع المخلوقات الباقية.
…فالله المستعان…
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=21606