مجلة عرب أستراليا ـ بقلم أ.د. عماد وليد شبلاق ـ رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية بأستراليا ونيوزيلندا ونائب رئيس المنتدى الثقافي الأسترالي العربي وعضو الهيئة الإدارية بمجلة عرب أستراليا.
الفرحة التي عمّت وجوه المسؤولين في الخليج (العربي) كانت واضحة عند زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هذا الأسبوع لهم (السعودية وقطر والإمارات) على التوالي، وحسب الثقل السياسي والاقتصادي لكل منهم، ومن خلال ما شهده العالم على وسائل الإعلام الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي والتسريبات الخاصة الأخرى.
المشهد هنا يعكس انطباعاً خاصاً لفريقين من الناس في هذه الزيارة، وهذه وجهة نظر شخصية؛ فالفريق الأول هم من أصدقاء العم ترمب (نسبةً للعم سام أو أمريكا Uncle Sam).
(وبالمناسبة، هذين الحرفين ليسا للولايات المتحدة United States، إنما لحروف أُخذت من اسم الجزار الأمريكي من نيويورك والذي كان يبيع اللحم للجيش الأمريكي الحكومي في فترة 1812/1813م، واسمه صامويل ويلسن، والذي كان يكتب اسمه بالحرفين U.S أو العم سام / أو أونكل سام Uncle Sam على كراتين اللحم، واعتقد الناس بعدها أنها ترمز للولايات المتحدة، ولاحقًا تمت إضافة الحرف A لتكون الاسم الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية أو USA إذ أصبحت من أكبر وأقوى زعامات العالم عسكرياً، واقتصادياً، وتكنولوجياً – منافساً لكل من روسيا والصين وأوروبا وربما الهند وغيرها). وسواء كان هؤلاء من دول الخليج العربي أنفسهم أو من الدول الأخرى المجاورة، وأما الفريق الآخر، والذي (يدّعي) كراهيته وعدم ترحيبه بزيارة العم ترمب وسياسته الخارجية، فمردّها بالمقام الأول لتفضيله مصالحه الخاصة أولاً، ومن ثم مصالح الدولة العميقة ثانياً.
فصاحب الشعر الأصفر الذهبي، والذي لا يفقه كثيراً في السياسة، هو من أفضل الشخصيات الدبلوماسية الجدلية في أمور الصفقات التجارية والمفاوضات الاستراتيجية، والمتعلقة به شخصياً كرجل أعمال مرموق وعقاري ناجح، لكسب التأييد الشعبي لمؤيديه وناخبيه في بلده، ومن ثم تأييده التام للقضايا التي تضرب بمصالح الفريق الآخر، ومنها مشكلة الشرق الأوسط مع الكيان المحتل.
المسؤولون في الخليج، وإن كانت قد ظهرت عليهم صفات الكرم والترحاب والضيافة، وهي من شيم وأخلاق العرب لضيوفهم وأصدقائهم، وكلٌّ حسب مقامه، فهم في منتهى الذكاء والدهاء والحنكة للحفاظ على مواقعهم وثرواتهم، فالخطر قد أحاط بهم من جميع النواحي، وكان لا بد من الاستعانة بصديق ماهر وقوي (ومدفوع الأجر)، كما فعلت الكويت (إحدى دول المجلس الخليجي) من قبل لإخراج الدولة العربية (الشقيقة – العراق) من احتلال لأراضيها، وقد دام لفترة قصيرة.
التريليونات ($$$$$) من الدولارات لن تذهب مباشرة لجيب العم سام أو العم ترمب، إذ أن هناك أنظمة وقوانين في الولايات المتحدة تراقب وتحكم قضايا الهدايا الرئاسية والأخرى الشخصية. ولعلنا نتذكر (بيل وهيلاري كلينتون في ذلك السياق عند زيارتهما للمنطقة)، وبالطبع هناك العديد من الصحفيين المرافقين للوفد الرئاسي الكبير، ولن تفوتهم تلك المكرمات أو الهدايا، وإنما كانت هي الدبلوماسية التي يتمتع بها صاحب الكاريزما الذهبية، فقد حقق العديد من المكاسب، والتي فاقت العديد من قبله من الرؤساء الأمريكيين.
(وكنت قد حضرت المقابلة التلفزيونية التي قامت بها قناة Fox News بواسطة المذيع Anchor Bret Baier في تاريخ 16 من شهر مايو الحالي في تقرير خاص وحصري للقناة، وقد صرّح الرئيس عندها بأهم وأفضل إنجازاته في رحلته: صفقاته المالية، والتي كما قال، بأنه في غضون 4 أيام حصل على مبالغ تفوق 12 مرة ما صرفته الولايات المتحدة على أوكرانيا في نزاعها مع روسيا!).
المصالح القومية وضمان الاستقرار السياسي لدول الخليج هي المعادلة التي اتفق عليها الطرفان أولاً، ومن ثم تأتي مواضيع الشرق الأوسط الأخرى كالصراع العربي – الصهيوني، وسوريا، واليمن، والسودان، والعراق، ولبنان، وغيرها من الدول. وبعد أن اطمأن الرئيس ترمب على مصالحه الخاصة، يهدي الشعب الأمريكي بعضاً من مكاسبه وإنجازاته من أصدقائه المقرّبين، والذين يدعمونه بشكل شخصي وخاص، فلهم مشاريعهم الخاصة أيضاً، فهناك العديد من المسؤولين الخليجيين، سواء من الأسر الحاكمة أو من الآخرين، لهم استثمارات بملايين الدولارات في أمريكا، ولا أحد يريد أن يخسر صداقة الولايات المتحدة.
وقد شهد العالم كيفية معاملة الولايات المتحدة للخارجين عن خط المصالح والمنافع البينية. وأما العقود التي وُقعت في الدول الثلاث، فتكفي لتشغيل عمالة أمريكا لعشرين سنة من الآن (تسليح وصناعات واستثمارات وتكنولوجيا وأشياء أخرى)، وهي من المكاسب التي سيتفاخر بها العم حين عودته الغانمة إلى الولايات، وقد تكون هي البداية في رحلة المطالبات (الترمبية) لأجور ومستحقات الحماية والدفاع عن أمن الخليج (العربي) أمام الخليج (الفارسي)، والتي ملّ العالم من سماع هذه الأسطوانة الممجوجة، والتي دائماً ما كان يوهم الطرفين بجهوده الخارقة في حل النزاع النووي المرتقب في المنطقة وشراء المزيد من التسلح.
سياسة الرئيس ترمب اختلفت وربما ازدهرت عن السابق (ولايته الأولى)، باعتبار ارتفاع معدلات الفائدة، وغلاء الأسعار، والنفط، والذهب، وازدياد الطلب على الغاز والمعادن، فبدأ يفتّش في الدفاتر القديمة، ويراجع الفواتير المستحقة، ويصحّح المبالغ المستحقة لأجور الحماية، وبدأ بأصدقائه المقرّبين. وربما كانت مستحقات تواجد القواعد العسكرية في منطقة الخليج من البنود الأساسية للحماية، واستتباب الأمن والأمان للأنظمة السياسية في تلك الدول.
للأسف، وكما قيل عن صاحب المبادرات الذهبية، العم ترمب، وكما يُروّج له في الغرب (وكما نسمعه ونراه نحن أيضًا هنا في بلادنا ولا يراه الكثير في تلك الدول)، بقوله (متباهياً ومفاخراً): لولا نحن، لما كانت تلك الدول في ذلك الحجم من الازدهار وتعظيم المكاسب وتضخّم الثروات.
فبدأ عندها بمراجعة نظرياته القديمة (المشاركة في الثروات مع الأصدقاء)، وإلا فالديون قد كثرت وحان سدادها. وربما قد طُلب منه، من بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، سداد خسائر ميزانية الولايات المتحدة نتيجة طلبات زيلينسكي (الأوكراني) المتكررة.
وعموماً، اجتهد الخليجيون في ضيافته وما قصّروا، ويعطيهم العافية، وقدّموا ما لديهم من خدمات جليلة ومرضية، ليعود العم منتصراً وزاهياً. ولك الله يا بلدي! والله المستعان.
رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=42229