مجلة عرب أستراليا ـ بقلم أ.د. عماد وليد شبلاق – رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية بأستراليا ونيوزيلندا ونائب رئيس المنتدى الثقافي الأسترالي العربي وعضو الهيئة الاستشارية بمجلة عرب أستراليا
لا أعلم تماماً (وهذا موضوع جدلي مختلف فيه) إذا ما كان موضوع الهجرة من بلدك الأم (الوطن الأصلي) والذي ولدت فيه وترعرعت (نشأت) وكذلك بقية أهلك قد أصبح مشروعاً حقيقياً ومطلباً ملحاً نتيجة لأسباب دينية أو سياسية أو حتى معيشية.
السفر إلى المهجر (أستراليا، كندا، أمريكا أو دول أوروبا والعالم الآخر) محفوف بالمخاطر، فقد تجد عملاً في اليوم التالي لوصولك للوطن الجديد، وقد تنتظر لمدة 1 – 3 سنوات لكي تحصل على عمل (أي عمل)، وقد لا تجد وتلجأ إلى تغيير تخصصك أو تحصيلك العلمي والمهني، وقد تبدأ من جديد.
أنا شخصياً أعرف العديد من المؤهلين والذين لا يعملون في تخصصاتهم العلمية أو الدراسية، فهناك أطباء يعملون في مجال العقارات، وآخرون مهندسون في سياقة/سواقة سيارات الأجرة، وآخرون أكاديميون في مجال البقالات وحراسة المرافق ومولات التسوق، وبالمناسبة هذا ليس عيباً أو نقصاً، فهؤلاء يعملون بجد واجتهاد وكرامة، والبعض منهم قد أثْرَى وجمع المال بشكل قد يفوق أقرانه في المهن الأخرى في نفس التخصص باعتبار الأخيرة من الأعمال الحرة والناجحة والمعتمدة على المثابرة والصبر.
ففي أستراليا مثلاً (أحد أكثر الدول استقبالاً للمهاجرين – هناك أكثر من 150 عرقية) اختيار الأعمال وقبولها قد لا يعتمد في الدرجة الأولى على المؤهلات الدراسية والشهادات التخصصية، بل قد يتخطى ذلك لشبكة المعارف والواسطات والانتقاء العرقي (وهذه ميزة التعددية الحضارية الثقافية)، فلو كنت من العرقية الصينية أو ما شابه فقد تجد مناطق وأحياء مثل بيروود وتشاس وود أقرب إلى مجتمعك الأم، أو كنت من المجموعة الهندية فقد تجد نفسك في (الهند الصغيرة) في هاريس بارك وباراماتا، أما لو كنت عربياً فلا شك بأن بانكس تاون وجرين إيكر ولاكمبا وفيرفيلد أقرب إلى قلبك وروحك.
دول مثل أستراليا (1788م – الآن) تعتبر دولة فتية (شاسعة الأراضي وقليلة العدد – 30 مليون نسمة) ولا تُقارن بالهند أو الصين مثلاً، وقد تحتاج إلى العديد من المهارات والأعمال اليدوية والحرفية أكثر من طلبها على الشهادات والتخصصات العلمية العالية والتي عادة ما يميز المهاجرين الأجانب (عرب وآسيويون وغيرهم)، وقد تستغرب بأن الطلب قد يتزايد على الحلاقين والسباكين (السنجريه أو الموسرجيه) والنجارين، مع العلم بأن أجورهم لا تقل عن أصحاب الشهادات والوظائف الأخرى في المجتمع.
المهم، ما قادني لكتابة هذا المقال هو أن هناك اثنين من الأصدقاء وربما غيرهم كثير ممن يحملون المؤهلات الدراسية والتخصصات في الهندسة المدنية، فأحدهم يعمل مدرساً ناجحاً في الموسيقى، والآخر مدرب لياقة بدنية، وقد كانت هذه هواياتهم ومهاراتهم الجانبية أثناء دراستهم الجامعية في بلدانهم (العراق ولبنان).
وقد تكون كاتباً أو لاعب كرة أو مصمماً للأزياء أو حتى واعظاً دينياً أو طباخاً، فالفرص كبيرة جداً لهذه النوعية من المهارات، وقد تلقى رواجاً وقبولاً في المجتمع بدلاً من اليأس وندب الحظ وغيرها من الجوانب السلبية، إذ أن أخطر شيء يواجه المهاجر في بداية هجرته هو الفراغ ثم الفراغ، فلا تدعه يتملك (كنت ذكراً أم أنثى أو ما بينهما)، ومن هنا ندعو الآباء والأمهات لتنمية وتشجيع مهارات أبنائهم وبناتهم في أي عمل يحبونه وذو منفعة اقتصادية وأخلاقية، ولن تندموا إن شاء الله،
والله المستعان.
رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=42691