مجلة عرب أسترالياـ بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق ـ رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية بأستراليا ونيوزيلندا ونائب رئيس المنتدى الثقافي الأسترالي العربي وعضو الهيئة الاستشارية بمجلة عرب أستراليا
في صحيفة (التلغراف) العربية الصادرة في سيدني، العدد 7951 وتاريخ الجمعة 28 مارس 2025، ذكر الزميل هاني الترك في زاويته الأسبوعية (خواطر) موضوعًا بعنوان “أولاد المهاجرين يتفوقون على الأستراليين”! وذكر في السياق أن المهاجرين من أصول آسيوية ولغتهم الأم ليست الإنجليزية قد أحرزوا المراكز المتقدمة في المؤهلات بنسبة 42%، والتحقوا بالمدارس المختارة المتفوقة في المدينة والولاية على حد تعبيره، وقد عزا السيد الترك هذا التفوق إلى الذكاء المتنامي لهؤلاء المهاجرين نتيجة إجادتهم لأكثر من لغة (ماندارين / كانتونية / تاغالوغ / أوردو وغيرها بالإضافة للغة الإنجليزية) في بلاد العم (تشارلز)، وكذلك تواجدهم في المكتبات العامة منذ صغرهم!
وحقيقة الأمر أن هذا الموضوع ذو شجون في تناوله ونقاشه في هذه القارة (السعيدة)، وقد تختلف الآراء والأفكار الشخصية بين شخص وآخر في تشخيص وتحليل هذه النوعية (الجدلية) من النقاش، إذ أن هناك أكثر من 150 عرقية إثنية ثقافية تعيش في هذه القارة وقد لمستها بنفسي على مدى الثلاثين عامًا التي عشتها هنا. ولنبدأ بوجهة النظر الخاصة بي، وهي أن موضوع التعددية الحضارية أو الثقافية ما هو إلا خدعة ووهم استُعمل من قبل بعض المسؤولين من السياسيين وأصحاب القرار ولعدة أغراض أمنية وسياسية ومآرب أخرى! فمن تحليلات سابقة لي (في مجلة عرب أستراليا وصحيفة التلغراف العربية) حول هذا الموضوع أشرنا إلى أن الكثير من الباحثين عن عمل مستمر ودؤوب هم من المهاجرين الآسيويين والأفارقة والعرب والإيرانيين ومن أمريكا اللاتينية من ذوي المؤهلات الأكاديمية والعليا (درجتي الماجستير والدكتوراه) والمسجلين لدى مراكز المعونات الحكومية (السنتر لينك أو الضمان الاجتماعي). في الوقت نفسه، تجد المهاجرين (البيض) من أوروبا (الغربية والشرقية) يحظون بالوظائف العليا والمؤثرة في القطاعين العام والخاص، وغالبًا ما يكون هؤلاء أقل كفاءة وتعليمًا ممن هم في الطرف الآخر.
فعلى سبيل المثال، تجد المهاجر الأيرلندي والإسكتلندي والكرواتي أو الصربي والإيطالي مكتفيًا بشهادة (الدبلوم) في الهندسة ليقابل أو ينافس الإيراني أو الصيني من حملة الدكتوراه في الهندسة لنفس الوظيفة المُعلن عنها (رياءً ونفاقًا) لتذهب للطرف الأول نتيجة المعرفة والمحسوبيات والسياسة العنصرية. ولكي تكتمل الصورة الوردية الكاذبة للتعددية، EOE، يتم اختيار بعض المهاجرين متعددي الألوان والأشكال لإظهار العدل والمساواة والشفافية (وبغض النظر عن قدراتهم العلمية والمهنية – فقط لإكمال تشكيلة اللاعبين في الفريق – وتجنبًا لأي نقد أو تلميح من المتربصين في الإعلام ومنصات التواصل).
يتفوق الآسيويون، أو مَن على شاكلتهم من المهاجرين، للحصول على وظائف مرموقة في المدينة أو الولاية، وهذا شيء طبيعي ومنطقي بالنسبة للأقليات العرقية، سواء في أستراليا أو أمريكا أو كندا أو حتى غيرها من الدول في العالم. والشيء المؤكد في أستراليا أنهم لا يهتمون بالعلم والتعلم والحصول على الشهادات والمؤهلات العليا كثيرًا، وذلك نتيجة الازدهار والتمتع بالثروات الوطنية والخيرات ومعونات الدولة، وربما تساوت أجور السباكين والنجارين وسائقي التاكسي مع المهندسين والمحاسبين في المخصصات المالية. ومع ذلك، تجد الكثير من الكفاءات والخبرات العالمية للمهاجرين تذهب سدى في مهب الريح، فكم من أطباء (بشري وأسنان) ومهندسين ومحاسبين لا يعملون في مجالاتهم الدراسية والمهنية (بعد أن تم قبولهم في برنامج مهارات الهجرة وشروطه الصعبة) لينتهي الأمر بهم في وظائف البقالات، وحراس الأمن، ومرافقة المعاقين في الأسواق، ومن أجل حفنة من الدولارات بالكاد تكفي لإطعامهم وسداد فواتيرهم، والله المستعان.
رابط النشرـ https://arabsaustralia.com/?p=41706