مجلة عرب أستراليا سيدني- لغة الضاد وبلاد الكنغر
بقلم أنطوان القزي- رئيس تحرير “التلغراف” الأسترالية
بين أبواب الشرق المشرّعة على الهجرات والمنافي، وبلاد الكنغر المفتوحة على ميادين التلاقي جسرٌ لا تحدّه الأمداء ومنبر يزهو بألق الأقلام، وريشة ترسم كل الملامح وسطور باتت مرايا لكل النجاحات، وراحت لغة الضاد في أستراليا تستمطر غيوث الإبداع كما تستمطر الورود ندى الصباحات.
مثل مملكة إليسار اتسعت رقعة قرطاجنا، وسجّلت الضادُ فتحاً جديداً على جسر الهاربر وغطّت بسمةُ سيبويه خليج سدني وراحت أغاني زرياب تدقّ أبواب الأوبرا هاوس. وتباهت لوحات جبران في مكتبة الولاية في سدني.
بدأت نجوم الشرق تتناسل مرايا لبنانية مع دايفيد معلوف وقصائد عراقية مع يحيى السماوي وثريات سورية مع فؤاد تومايان وأثريات مصرية مع نجيب قنواتي ولوحات سودانية مع غسان سعيد.. وكانت اوستراليا صفحةً عذراء ما أدركتها رحلات ابن بطوطة ولا نزلَ فيها سندباد. ومع رابطة إحياء التراث العربي ومنتدى الجامعيين العراقيين تتالت مواسم الإبداع وتكسّرت قوالبُ الصمت حين راحت المنتديات الثقافية تخوض جهداً عنيداً من أجل ترسيم عالمٍ أرادتهُ حيّاً ولسان حاله يقول:
«هناك متسعٌ جمالي في جزيرة الكنغر يستطيع اجتذاب خطواتنا بعيداً عن جنّة الشرق”.. وشرعَ سراجُنا يلملم رمادَ الليل ويحطبُ زاداً للمواقد وعينُه غابةٌ مفتوحةٌ على الفردوس.
فكانت المطبعة وكان الكتاب وكانت الأمسية وكانت الندوات وزغردت القوافي واستعادت شياطين الشعر ممالكها، ولم تعد سدني وملبورن ليلاً أحمرَ وشفاهاً قرمزية، بل تكحّلت عيناهما بأقلام محابرنا وتبرجّت وجناتُهما بغزَل شعرائنا وتعطرت أعناقُهما برذاذ قرائحنا وصار المتنبي يقارع شكسبير وجبران يوزّع هداياه حيث تطلع الشمس من صدر المحيط.
واستيقط المهاجرون اللبنانيون على امرأة ما عادت تحمل الكشّة بل استهوتها الكاميرا يوم أنتجت جوليا كيروز فيلماً سينمائياً سنة 1928 قبل زمن إدخال الصوت على الصناعة السينمائية. ثم استفاقوا على ستان مالك يصدر سنة 1941 صحيفة محلية في بلدة بليناي في منطقة باتهرست.
واستظل الشعراء العراقيون باسقات النخيل من داروين شمالاً إلى تسمانيا جنوباً ومعهم النحاتون والرسامون والممثلون والأطباء فكان منجد المدرّس نجمة طبية عراقية في سماء الباسيفيك وهو الذي وصل إلى أستراليا لاجئاً على متن قارب مخلّع.
أعطتنا استراليا الحرية والإطمئنان، وأعطانا الشرق النبل والثقافة والوفاء، وأعطتنا المنبر لتنفّس هذه الحرية والميدان لنحصد قمح النبل والحنين، وسلّمتنا اليراع لنرفع راية الحق ونضرب به الظلم وأعطتنا الحبر نبلّل فيه عطش المسافات، وبسطت أمامنا الصفحات خبزاً لأرغفة الوفاء وجسوراً إلى بلادنا.
وها نحن اليوم، نعيش عائلةً خبزها العرفان ورايتها الحقيقة وثمارها نجاحات جاليةٍ منحتنا الثقة والرفعة والاستمرار لنبني معها سفارة إعلامية مترامية الاطراف. وعلى هذا البيدر الرحب نحصد قمح السهر وعلى هذه الصفحات نسطّر أجمل العناوين، وبين هذه السطور نبني جسوراً نتوّحها بعناويننا المشرقة واحةً تفيء إليها وجوهنا واشجاراً تأنس إليها طيورنا وصوراً نؤرشفها للأجيال منهلاً وللزوار مائدة.
على المستوى الثقافي
أعطت الجالية اللبنانية أديب استراليا الأول دايفيد معلوف كما أعطت 266 بروفسوراً ومحاضراً جامعياً و17 عميداً ورئيس قسم وأنشأت 15 مدرسة بين ابتدائية وثانوية و30 مدرسة لتعليم اللغة العربية كما أن الدكتور محمد خضرا أسس أول جامعة في استراليا تمنح شهادات عبر الانترنت.
وصدّرت الجالية 15 بروفسوراً ومحاضراً إلى الجامعات العالمية. وضمّت الجالية بين 450 رساماً ونحاتاً وموسيقياً وممثلاً بينهم 25 خرجوا إلى العالمية. وكان اللبناني توماس هايسن وراء فكرة إنشاء منطقة دارلينغ هاربر المنطقة السياحية الأشهر في استراليا. أما اللبنانية جولي كيروز فأنتجت أول فيلم استرالي لامرأة من أصل لبناني سنة 1928 زمن الأفلام الصامتة
على المستوى الإعلامي
أسست الجالية اللبنانية 35 إذاعة بينها عشر إذاعات بدوام كامل وأنشأت أول تلفزيون مدفوع في استراليا سنة 1992. وأصدرت أكثر من 600 كتاب باللغة العربية ونحو مئتين وخمسين كتاباً باللغة الانكليزية.
ومنذ سنة 1957 أصدرت الجالية اكسر من 147صحيفة ومجلة باللغتين العربية والانكليزية وكان لأحد أبنائها الريادة في إنشاء أول مؤسسة للتسويق الاثني في العالم وهو جو عساف.
ومن أبناء الجالية عشرات المخترعين ورؤساء الأقسام والعمداء الجامعيين منهم على سبيل المثال لا الحصر أحمد شبول ورفعت عبيد ونجيب قنواتي وهلا زريقات.
وإذا اعتبرنا الرياضة ملحقاً ثقافياً، لا ننسى البطل اللبناني الأسترالي جون سكاف الذي فاز بالميدالية البرونزية برفع الأثقال في أولمبياد لوس أنجليس سنة 1932.
كما لا ننسى نيكلاس شحادة كابتن منتخب أستراليا في لعبة الرغبي يونيون ومايكل الشيخة دويهي مدرّب المنتخب فيما بعد. وبن الياس كابتن منتخب أستراليا في لعبة الرغبي ليغ وحازم المصري صاحب الرقم القياسي لفترة طويلة في هذه اللعبة، واحمد الريش لاعب كرة القدم في المنتخب الأسترالي.
وغيرهم العشرات من الذين حصدوا بطولات عالمية في الجودو والكاراتيه والتكواندو والكيك بوكسينغ . ولا ننسى فريق سدني الأرز للكرة الطائرة الذي فاز ببطولة أستراليا 17 مرّة متتالية.
على المستوى السياسي
أعطت الجالية اللبنانية 35 سياسياً بين حاكم ورئيس برلمان ورئيس حكومة ووزير ونائب فيدرالي ومحلي أبرزهم حاكم نيو ساوث ويلز ماري بشير ووزير الجيش الاوسترالي الأسبق بوب خطار ورئيس حكومة فيكتوريا ستيف براكس ومن النواب الفيدراليين اليوم مايكل سكر وبيتر خليل في ولاية فيكتوريا وآن علي في غرب أستراليا وبوب خطار في كوينزلاند . بالإضافة إلى 21 رئيس بلدية وأكثر من سبعين عضو مجلس بلدي.
عمرانياً
ساهمت الجالية في إعلاء الكثير من ناطحات السحاب في سدني وكذلك في حفر أنفاقها عبر شركات كبرى، كما أن مئات اللبنانيين ساهموا في جزء كبير في مجال الإعمار والبناء عبر مشاريع كبرى وحصدوا الجوائز التقديرية.
كما أعطت الجالية مدراء لأكبر الشركات والمؤسسات في استراليا ومنهم جاك نصر وأحمد فاعور، كما تضم الجالية جون سايمن صاحب إحدى أكبر مؤسسات التسليف المالي والذي امتلك أغلى منزل في أوستراليا .
وعلى مستوى الإبداع والنجاح فقد حصل أكثر من مئة شخص من أبناء الجالية اللبنانية على ميدالية استراليا الذهبية وهي وسام ملكي رفيع يمنح في عيد الملكة وفي يوم أوستراليا
السلك العسكري
أعطت الجالية عدداّ من قادة القطاعات في الجيش وفي الشرطة الأسترالية منهم نائب مفوض الشرطة السابق في نيو ساوث ويلز نيك كالداس نموذجاً، كذلك الكابتن منى الشيني منسقة الأمور الإستراتيجية في البحرية الأسترالية.
الجيش الأسترالي
في الحربين العالميتين الأولى والثانية انخرط نحو ألف شاب لبناني في صفوف الجيش الاسترالي وحاربوا على معظم الجبهات في أوروبا وإفريقيا وآسيا وكان الجندي جوزيف صليبا الذي قتل في 1525-4-1916 في فيلبيه بروتونو في فرنسا أول جندي لبناني يسقط في صفوف الجيش الأوسترالي..
وكان الجندي فنسنت عبود المولود سنة 1897 بين القلائل في استراليا الذين شاركوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ولا تزال جثامين بعض الجنود اللبنانيين الاستراليين موجودة في موقعة غاليبولي.
وكانت أول امرأة لبنانية تنخرط في الجيش الاسترالي كاتلين عبود المولودة سنة 1903 في لبنان. وكانت جوي عبود نجار أول امرأة تنخرط في سلاح الجو الاسترالي سنة 1941.
وفي استراليا كان يعيش أقدم مهاجر على قيد الحياة مولود خارج استراليا وهو شكيب رشيد الذي ولد في بيت مري سنة 1923 وهاجر إلى ادلايد سنة 1925 وتوفي في جنوب استراليا سنة 2019.
محطات
سنة 1854 رست باخرة على شاطئ ادلايد وعلى متنها أول مهاجر لبناني هو مسعود النشبي الفخري.
سنة 1872 بدأت أول مجموعة لبنانية العمل في مناجم بروكن هيل.
سنة 1880 غرست الدولة الاسترالية أول أرزة في البوتانيك غاردن في سدني.
بدأت حكاية العطاء عندما قطعت شلبية اسطفان عبد الله سنة 1890 نحو420 ميلاً سيراً على القدمين بين سدني وكوبار حاملة الكشة على كتفيها.
سنة 1882 بنى رشيد ويوسف عريضة معملاً في كوينزلاند وسنة 1888 تعاقد آل فخري مع شركة كولز لتزويدها بالألبسة والقمصان
سنة 1887 راح كاهن ايرلندي في بروكن هيل يملأ حقائب المهاجرين اللبنانيين بأدوات الخياطة من أزرار وابر وأقمشة ويقرع معهم الأبواب ويعلّمهم طريقة البيع واللغة الإنكليزية.
سنة 1890 اشترى آل فرج وآل نجار من بشمزين شركة ماغواير لمنتجات الصوف.
سنة 1893 افتتح يوسف زين الدين سلمان نجار أول متجر مع شقيقه حسن في بيري في جنوب استراليا
سنة 1895 اشترى مجيد وسليم محمد رشيد فندقاً ومحلات تجارية في بورت بيري في ادلايد.
قبل الحرب العالمية الأولى كان آل نصر وعبود ومعلوف وأبو خير ومالك ويارد وموسى السباقين في تأسيس المراكز التجارية في الأرياف والمدن الكبرى
وقبل أن أضع نقطة على السطر، أذكر أن هذه العجالة تضيق بعطاءات الجالية العربية الثقافية في أستراليا ولا تفيها حقّها ، بل هي قوس قزح يرشدنا إلى هيكل إبداعنا في هذه البلاد.
سنبقى معاً طيوراً تغافل العواصف إلى الربيع وفراشاتٍ تلوّن فرح الانتشار ومداميك تعانق الغمام الأبيض.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=22468