كتب،عباس علي مراد
مجلة عرب أستراليا-سدنى- كلّنا نعلم انه ولسنوات عديدة، الإنحدار المتدرّج غير الاأخلاقي في الهجوم على الأقليات، والرسائل المبطّنة التي نعلم أنها كانت تحدث. أنا أعلنها بصراحة، وأريد منكم جميعاً أن تسمّوا الأشياء بأسمائها.
بيل شورتن زعيم حزب العمال والمعارضة الفيدرالية الاسترالية، لوسائل الاعلام، الاثنين 18/3/2019
هل يختلف العالم الذي نعيش فيه اليوم عن الماضي؟!
الجواب، بالإيجاب طبعاً العالم مختلف كلياً، وهناك تقدّم على عدة مستويات والإختلاف الأكثر بروزاً هو سرعة وصول المعلومات عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعدم المقدرة على إخفاء الحقائق رغم استمرار العمل لتشويه ولي عنق الحقيقة الذي كانت تتحكم بها وسائل الإعلام التقليدية وحتى منصات التواصل الإجتماعي التي تحرص على حذف ما قد يتعارض مع مصالح المهيمنين عليها. لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغيّر هو خطاب الكراهية ونزوع البشر نحو العنف والذي يثقل تاريخ البشرية بجرائم يندى لها الجبين.
العمل الإرهابي الذي نفذه الأسترالي برينتون تارنت في نيوزيلاندا الجمعة 16/3/ 2019 لم يأتِ من فراغ، لكن من الواضح أن خطاب من الكراهية سواء المبطّن المقروء من خلال المغيب في النص أو الصريح الذي يجاهر بمواقفه كان له تأثيره على تارنت. هذا عدا عن المواقع الإلكترونية التي تغذي هذه النزعة لدى المتطرفين الذين يعتقدون بتفوّق العنصر الأبيض كما لا يخفى أن داعش لم يوفّر وسيلة إلا واستعملها لنشر فكره المتطرّف ونشر وحشيته بقطع الرؤوس وإحراق الناس أحياء وغيرها وهو نفس الأسلوب الذي استعمله تارنت عندما نفّذ عمليته الارهابية ضد مصلين عزل.
إن العالم يقف على مفترق الطريق حيث يجب التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية المبطّن والصريح والذي بدأت معالمه تظهر في الخطاب السياسي وبدون قفازات بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة الاميركية.السياسيون الأستراليون غير محصّنون ضد هذا الخطاب رغم إلغاء أستراليا سياسة أستراليا البيضاء في أوائل سبعينيات القرن الماضي لكن ومن أجل مكاسب سياسية وإنتخابية استعمل هذا الخطاب في الماضي وفي عدة محطات إنتخابية خصوصاً بعد وصول جان هاورد الأحراري إلى رئاسة الوزراء عام 1996 منها على سبيل المثال لا الحصر.في العام 2001 وأثناء الحملة الإنتخابية حين ربطت حكومة الأحرار وعمداً بين عملية 11 أيلول وطالبيى اللجؤ ومنذ ذلك الحين والطرف السياسي المحافظ في أسراليا يرسل رسائل مبطنة ضد المسلمين.
وفي العام 2007 استُهدفت الجالية الصينية بنفس الأسلوب حيث كانت القشة التي قسمت ظهر البعير وخسر رئيس الوزراء أنذاك جان هاورد الإنتخابات ومقعده النيابي. وفي نفس العام تمّ القبض على بعض ناشطي حزب الأحرار ليلاً يوزعون دعاية إنتخابية على بريد المنازل في مقعد ليندزي المتأرجح قبل 3 أيام من الإنتخابات تتضمن رسائل كراهية ضد المسلمين وحزب العمال.إستمر الأمر على هذا المنوال من خلال استهداف شهادات الذبح الحلال والمطالبة بمنع البوركا وهجرة المسلمين.
فرايزر آننك يستعمل تعبير النازيين “الحل النهائي” لوقف هجرة المسلمين، وقد هنّأ بعض أعضاء مجلس الشيوخ من حزب الأحرار آننغ على تصريحاته وكان آننغ قد طالب أيضاً بعودة سياسة أستراليا البيضاء التي ألغِيت سبعينات القرن الماضي. وبعد مجزرة نيوزيلندا حمل آننغ الضحايا مسؤولية ما حصل لهم.
النائب الأحراري جورج كريستنسن خطب في مهرجان المتطرفين البيض.مارك ليثام الزعيم السابق لحزب العمال الفيدرالي والذي كاد أن يصل إلى رئاسة الوزراء والذي تحوّل إلى حزب أمة واحدة العنصري وترأس فرع ولاية نيو سوث ويلز وفاز بمقعد في مجلس الشيوخ عن الحزب في إنتخابات الولاية الأخيرة، دعى إلى الفحص الجيني للسكان الأصليين للتأكد من صحة إنتمائهم للحصول على مساعدات الضمان الإجتماعي، عدا عن عدائيته المستحدثة ضد المهاجرين والمسلمين.
بيتر داتون وزير الداخلية وتصريحاته عن الخطأ الذي إرتُكب في ثمانينيات القرن الماضي والسماح بدخول المسلمين اللبنانيين إلى أستراليا والتي رفض رئيس الوزراء سكوت موريسن إدانتها.داتون نفسه إتّهم ورئيس الوزراء الأحراري السابق ملكوم تيرنبول العصابات الجنوب سودانية بأنها تهدّد الأمن في مدينة ملبورن وذلك أثناء الحملة الإنتخابية في الولاية العام الماضي للنيل من مصداقية حكومة العمال.كوري برانبي الذي انشقّ عن حزب الأحرار وشكّل حزب المحافظين له خطاب كراهية صريح ومبطّن ضد الهجرة والمسلمين.
بولين هانوسن زعيمة حزب أمة واحدة والتي وصفت المسلمين بالمرض الذي يجب التلقيح ضده، ارتدت البرقع ودخلت به إلى قاعة البرلمان للمطالبة بمنع ارتداء البرقع. وكانت هانسون طالبت بتشكيل لجنة تحقيق ملكية بالإسلام وطبيعته. وها هي محطة الجزيرة تنشر تقرير(26/3/2019) عن زيارة لقياديين من حزب أمة واحدة للولايات المتحدة ويطالبون لوبي السلاح الأميركي بالتبرع للحزب بمبلغ 20 مليون دولار لتغيير ميزان القوى في البرلمان الأسترالي من أجل تعديل قانون حيازة الأسلحة في أستراليا. وأثناء الإجتماع قال ستيف ديكسن زعيم حزب أمة واحدة في كوينزلند :”اننا نستورد العصابات الأفريقية” الذين يقومون باغتصاب النساء والسرقة ويهاجمون البيوت بمضارب البيسبول ويسرقون السيارات ونحن ممنوع علينا الدفاع عن بيوتنا. ومع ذلك ما زال حزب الأحرار يرفض وضع حزب أمة واحدة في آخر قائمة الأصوات التفضيلية في الإنتخابات الفيدرالية القادمة!
لوك فولي زعيم حزب العمال السابق في نيو سوث ويلز والذي خسر منصبه بسبب قضية تحرش جنسي كان قد حذر من هجرة المواطنين البيض من غرب سدني.مايكل دايلي الزعيم الحالي لحزب العمال في نيو شوث ويلز والذي خسر الإنتخابات الأخيرة في الولاية بعد تسريب شريط فيديو له وهو يتحدث عن أخذ الأسيويين الوظائف واضطرار الشباب الأسترالي المغادرة إلى الارياف.العام الماضي اضطر حزب العمال إلى سحب إعلان إنتخابي لم يُظهر فيه سوى مواطنون من خلفية انكلوسكسونية في بلد يعتزّ بتعدديته الثقافية والتي اصبحت كلازمة تتردد على السنة السياسيين.
جان هاورد رئيس الوزراء الأحراري السابق قال نحن من نحدّد من يدخل إلى بلادنا ولا نريد من يرمون أبنائهم في البحر، هذا الإدعاء الذي ثبت بطلانه لاحقاً. وكان هاورد نفسه اتّهم الدكتور محمد حنيف بالإرهاب بعد تفجيرات لندن، تلك الاتهامات التي تبيّنت أنها بدون أرضية وتم تبرئة حنيف بعد ان كان تمّ طرده من أستراليا.هاورد مؤخراً وبعد إدانة الكاردينال جورج بيل بالاعتداء الجنسي على الاطفال قدم شهادة حسن سلوك للمحكمة عن بيل وكذلك شكك بنزاهة القضاء مجموعة من الاعلاميين ابرزهم اندرو بولط وميرندا فاين وكان رئيس الوزراء الاسبق طوني ابوت قد اتصل بالكاردينال بيل للأطمئنان عنه بعد إدانته!
رئيس الوزراء سكوت موريسن كانت له مواقف متقدمة بعد إعتداء نيوزيلندا، اضطر للدفاع عن سمعته بعد أن أثيرت مسألة طرحه استغلال الشعور المعادي للمسلمين من أجل قضايا سياسية، واعترف أن الموضوع أثير فعلاً في العام 2010 داخل اجتماع حكومة الظل ولكن ليس كإستراتيجية إنتخابية لربح المزيد من الأصوات بل لمكافحة الظاهرة. وحسب إستطلاع للرأي أجرته صحيفة سدني مورننغ هيرالد 23/3/2019 وجد ان 63% من المستطلعين لم يصدقوا ادعاءات موريسن. من جهة ثانية إعترف موريسن بوجود ظاهرة الإسلاموفوبيا في أستراليا والتي يتأثّر بها بعض أفراد في حزب الأحرار، ودعى موريسن إلى مكافحة هذه الظاهرة سواء في المجتمع أو في الحكومة. وقبل عامين كان رئيس الوزراء الأحراري الأسبق طوني ابوت استبعد وجود ظاهرة الإسلاموفوبيا، علماً أنه هو من دعى إلى إعطاء الأولوية لللاجئين العراقيين والسوريين من المسيحيين.
موريسن كان قد إتّهم اللاجئين بأنهم يجلبون معهم أمراض السل والسفلس وهذا ماعاد وكرره نائب رئيس الوزراء مايكل ماكورماك العام الماضي عند مناقشة مشروع قرار إحضار اللاجئين من جزر ناورو ومانوس للعلاج في أستراليا بوصفه اللاجئين بالمغتصبين والقتلة والعالة على الآخرين.وفي العام الماضي صوّت نواب حزب الأحرار إلى جانب مشروع قرار تقدّم به حزب أمة واحدة يقول ” لا بأس في أن تكون أبيضاً” قبل أن تعود الحكومة وتتراجع تحت ضغط حزب العمال مبررة التصويت بعدم فهم المشروع!
ولا يخفى الدور الذي يلعبه الإعلام بالتحريض ضد الإسلام والمسلمين بخطاب مليء بالكراهية والإحتقار خصوصاً إعلاميين أمثال اندرو بولط وآلن جونز الذي تبرع مؤخراً ب10000 دولار لحملة مارك ليثام الإنتخابية.ما تقدّم وغيره يندرج ضمن خطاب الكراهية المبطن والصريح والذي يبني عليه أمثال برنتون تارنت أفكارهم داخل مجموعات يمنية متطرّفة تعتقد بتفوق العرق الابيض. هذا ما حذّر منه نائب مفوض الشرطة السابق في نيو سوث ويلز نيك كالداس في مقالة في صحيفة سدني مورننغ هيرالد 18/3/2019 معتبراً أن هناك دروساً يجب تعلمها من إعتداء نيوزيلندا أولها أنه على القوى الأمنية واجهزة الإستخبارات واجب ان لا تتخلّى عن مراقبة اليمين المتطرّف من أجل التصدي للتهديد الاكبر المتمثّل بالإسلام الأصولي الراديكالي المتطرّف.
يقول أحد المعلقين السياسيين الأستراليين، في أستراليا يكفي أن تستعمل تعبير عدم التساهل ب”حماية الحدود” الكلمتين السحريتين حتى تصل الرسالة المشفرة إلى من يعنيهم أن الحكومة ماضية في سياستها المتشدّدة تجاه اللاجئين والتي يشكل المسلمين أكثيرتهم.المشكلة التي تواجه الأقليات لا يمكن إنكارها وخصوصاً الإسلاموفوبيا وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء سكوت موريسن. ولكن يجب علينا ان لا نطمر رؤوسنا في الرمال كالنعامة ونتغاضى عن البلاء الذي ابتليت به الجالية العربية والإسلامية وهو داء قيادات الجالية سواء الدينية أو الدنيوية حيث أن معظمهم من الإنتهازيين وقصيري النظر وعديمي الثقافة الاجتماعية والسياسية وبعيدون كل البعد عن مشاكل المجتمع الأوسع بما فيها الجالية العربية والإسلامية، حيث تتسع الهوة بينهم وبين الأجيال الشابة المولودة في البلاد لأن خطابهم لا يحاكي الواقع.
إذن، بين مطرقة ما يسمى قيادات الجالية وسندان السياسيين ووسائل الإعلام حصل هذا الشرخ داخل المجتمع، فظهرت جماعات إسلامية متطرفة كالذين خرجوا للقتال في سوريا والعراق، وجماعات عرقية تعتقد بتفوق العنصر الأبيض وبغزو المهاجرين واللاجئين وبوجوب طردهم والمثال الصارخ هو الأرهابي برنتون تارنت الذي نفّذ العملية الإرهابية في كرايس تشرش.من هنا تبرز أهمية دعوة زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن المثبتة في مقدمة المقال لأننا كمواطنون وبغض النظر عن الخلفية الثقافية التي نحملها يجب أن نحافظ على بعضنا البعض، ونستشهد بالحديث النبوي الذي إستشهدت به رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آردن ” مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسدِ إذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”.
أخيرا، لا يعاب المرء بلون بشرته أو بخلفيته الثقافية أو أثنيته أوعقيدته سواء الدينية أو الوضعية، إن ما يعيب المرء هو إنحرافه عن القيم الإنسانية التي تجمع كل أطياف البشر تحت جناحها. وفعلاً يجب أن يكون هناك نقاش وحوار جاد وهادف حول كل المواضيع والقضايا التي تواجهنا كأستراليين. وحتى لا ينحرف هذا النقاش عن أهدافه بحجة الدفاع عن حرية التعبير، يجب الفصل الكليّ بين حرية التعبير وخطاب الكراهية أو تبرير إرهاب البعض من خلال ربط الإرهاب بلون أو دين أو إثنية وهذا هو التحدّي الحقيقي ولا يجب ان يكون العنف البربري خياراً بأي شكل.
رابط مختصر:https://arabsaustralia.com/?p=2968
Email: abbasmorad@hotmail.com